تتعرض "مقبرة الإسعاف" الواقعة شمال مدينة يافا المحتلة منذ سنوات لعمليات تجريف إسرائيلية أتت على مئات من القبور التي يزيد عمرها على 200 عام، ضمن مساعٍ احتلالية لا تتوقف لمسح هوية الشعب الفلسطيني أينما وجدت آثاره.
وفي خطوة إسرائيلية تتكرر بين عام وآخر، اقتحمت أول من أمس، قوات من شرطة الاحتلال ومستخدمون من بلدية "تل أبيب" المقبرة، ونفذت أعمال تجريف تمهيدًا لإقامة مشروع سكني على أنقاض قبور ورفات المسلمين.
ويقول مراقبون: إن سلطات الاحتلال دأبت على تغيير الواقع التاريخي في الأراضي المحتلة عام 48م، ونفي أي صفة فلسطينية عن تلك الأماكن بمحاربة الأموات والأحياء على حد سواء.
هجمة شرسة
عضو الحركة الإسلامية في يافا الشيخ محمد محاميد بين أن مدينة يافا تتعرض لهجمة شرسة على المقدسات بدأت منذ نكبة فلسطين 48م، حيث لم يتبقَّ من سكانها الـ(120) ألف سوى (2700)، في حين وضعت مساجدها ومقابرها وأملاك الأوقاف تحت مسؤولية ما يسمى بمؤسسة "أملاك الغائبين" الإسرائيلية.
وأوضح محاميد لصحيفة "فلسطين"، أن الهجمة تتواصل بهدم عشرات المساجد في يافا وقضائها ونبش عدة مقابر فيها، وسحق عظام الموتى كـ"سلمة" و"السماتين" و"الشيخ مونس".
وبنيت مقبرة الإسعاف في زمن الخلافة العثمانية، وتضم مساحتها البالغة (800) متر مربع مئات من قبور المسلمين، وكانت قد تعرضه لاعتداء مماثل في عام 2018م.
وعد محاميد الاعتداء الإسرائيلي ظلمًا حقيقيًّا للفلسطينيين الذي تجمعوا منذ ساعات الصباح للاحتجاج رفضًا لنبش الاحتلال لقبور المسلمين.
وأوضح أن عمال البلدية والشركة العاملة في البناء تنبش القبور وتجمع عظام الموتى في أكياس بلاستيكية، لمواصلة أعمال البناء في الموقع المذكور.
وأشار إلى أن الفلسطينيين في يافا يعانون قضية التضييق في السكن ضمن سياسة إسرائيلية ممنهجة هدفها دفعنا للهجرة من يافا إلى منطقة المثلث، وكذلك تحديات على مستوى المخصصات المدنية، وتمييز في معاملة المواطنين الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين.
وأضاف: "لجأنا إلى القضاء الإسرائيلي الذي عقد عدة جلسات وفي نهاية المطاف مضى المشروع في طريق التنفيذ، وهو مشروع يهدف لاقتلاع كل ما هو عربي سواء حيًّا أو ميتًا".
مسلسل مؤلم
بدوره عدَّ مدير جمعية الأقصى محمد سواعد، استهداف مقبرة الإسعاف التاريخية استمرارًا لمسلسل الاعتداء على المقابر والمقدسات الإسلامية في فلسطين منذ سنوات طويلة "بشكل يؤلم القلب ويؤذي المشاعر، حيث يجرف الاحتلال رفات المسلمين ويغير معالم المقابر بهدف بناء البيوت والمتاحف".
وقال: "تجربتنا مع سلطات الاحتلال تؤكد أن ما يفعلونه من محاولة للسيطرة على المقابر وإزالة البعد العربي والإسلامي عن الأماكن المقدسة".
وعبر عن انزعاجه من صمت العرب والمسلمين والمجتمع الدولي عن هذه الممارسات، قائلًا: "لو كان الأمر مسًّا برمز من رموز اليهودية في العالم لتجند الإعلام العالمي للوقوف ضده".
وتساءل سواعد: أين العالم من تلك القضايا الحساسة والمصيرية واستهداف الاحتلال للأموات كما يستهدف الأحياء، لافتًا إلى أن فلسطينيي 48 لا يعولون على القضاء الإسرائيلي، "نتوجه إليه ونفعل كل ما في وسعنا أمامه لكننا نؤمن بأنه وجد ليخدم أجندة إسرائيلية".
وأضاف: "نعول على إرادة شعبنا ووقوف جماهيرنا في اللد والرملة ضد القرار الإسرائيلية، ولفرض الرواية العربية ومنع استمرار العمل الاستيطاني بالطرق السلمية المتاحة وصولاً لتسوية عادلة تضمن عدم المس برفات آبائنا وأجدادنا في المقبرة".
من جانبه قال رئيس الهيئة الإسلامية المنتخبة في يافا المحامي محمد دريعي: "ما يجري في مقبرة الإسعاف لا يتصوره عقل، فقد تم إحضار قوات كبيرة من شرطة الاحتلال من كبار الضباط والعديد من الوحدات الخاصة منها وحدة اليسام القمعية ترافقها معدات ثقيلة وحاصرت المحتجين"، مشيرًا إلى أن تجريف المقبرة يهدف للمس بالتاريخ وتحريفه ليتوافق مع الحاضر دون احترام لهوية الفلسطينيين.
وقال دريعي: "ما يجري مسح لهوية شعب، وتمدد للعنصرية والجريمة الإسرائيلية بإدارة البلدية".
ويشار إلى أنّه في حال اقتراب المشاريع من مقابر يهودية في أيّ بقعة في فلسطين، يعلم الجميع عن ذلك من خلال التظاهرات الحاشدة التي تنظمها الحركة اليهودية المتزمتة التي تفرض على المؤسسات الإسرائيلية شروطها وتمنعها من الاستمرار في أي مشروع مستقبلي كان مخططاً له أن يكون على أرض المقبرة، لكن حين يتعلق الأمر بمقابر غير يهوديّة، فالأمور تختلف ويصبح التعامل معها أمراً عادياً، وفي أغلب الأحيان يجري انتهاك حرمة هذه المقابر.