يبدو أن المجلس الوطني الفلسطيني على موعد مع اجتماع بتركيبته القديمة، يُسقطُ الآمال التي عجّ بها اجتماع اللجنة التحضيرية الأخير في بيروت، بتشكيل مجلس جديد يضم كافة القوى والفصائل وفق ما يرى مراقبان تحدثا لصحيفة "فلسطين".
ولم يجد رئيس السلطة محمود عباس، في حوار مع صحيفة "القدس العربي" نشر أول من أمس، حرجًا في التأكيد على أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سائرة "في عقد المجلس الوطني وفق تركيبته القديمة"؛ متذرعًا بعدم إمكانية تعطيل ما أسماه "الشرعية الفلسطينية"؛ على حد تعبيره.
لكنّ خطوة كهذه، إنْ نفذها عباس، سيكون لها حتمًا تداعياتها على المشهد السياسي الفلسطيني، لاسيما في ظل ما يدور من حديث عن "صفقة" إقليمية يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تحقيقها بشأن القضية الفلسطينية.
يقول مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، محسن صالح: "عقد المجلس الوطني أمر مطلوب وضروري لاستكمال العمل الطبيعي لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها"، لكنه يشدد على أن التركيبة القديمة للمجلس "هي رسالة سلبية لكل برامج المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني".
ويفسر لصحيفة "فلسطين"، بأن عقد المجلس بالتركيبة القديمة، يعني استمرار "هيمنة فصيل فلسطيني هو حركة فتح على منظمة التحرير ويعني عمليا وضمنيا أن الرئيس عباس ماض في تجاهل قوى أساسية كبرى موجودة في الساحة الفلسطينية، وفازت بالشرعية الانتخابية في الداخل الفلسطيني، وهي موجودة أيضًا بقوة في الخارج"؛ في إشارة إلى حركة حماس، التي فازت في الانتخابات التشريعية في 2006.
وإذا كان عباس حقًّا لا يريد تعطيل "الشرعية الفلسطينية"- والكلام هنا لصالح- "فليرتب عقد مجلس وطني فلسطيني جديد قائم على انتخابات حرة وشفافة، وعلى تشكيلة جديدة تنفتح فيها منظمة التحرير والمجلس الوطني على كافة القوى والفصائل بما يعبر عن حقيقة الوضع الشعبي الفلسطيني الحالي".
أما أن يأتي عباس بالتركيبة القديمة للمجلس، فهو يأتي "بالتركيبة التي تعبر عن فصيل فلسطيني معين"، معتبرا أنها فات أوانها وانتهى زمانها؛ بحسب صالح.
ويتابع أنه فيما إذا عقد عباس المجلس بالتركيبة القديمة، "فهذا يعني أنه هو الذي يعطل الشرعية الفلسطينية من خلال الإصرار على التركيبة القديمة التي مضى عليها الزمن، ويصر على تجاهل القوى الفلسطينية الحقيقية الموجودة خارج إطار منظمة التحرير، كما أنه بذلك يصر على تجاهل اتفاق القاهرة 2005، والوفاق الوطني 2006، ومكة 2007، واتفاق المصالحة 2011".
ويعرب صالح عن أسفه كون عباس "يستخدم اسم الشرعية لتجاهل حقيقة الاتفاقات"، مبينا أنه إذا ما عقد المجلس القديم فهذا يعني "أنه يصر على تجاهل الشرعية الفلسطينية".
ويشير إلى أن ذلك يمثل "رسالة سلبية حقيقية تؤكد أن القيادة المتنفذة في منظمة التحرير والسلطة وحركة فتح تصر على أن يبقى النظام السياسي الفلسطيني فارغا من محتواه وعلى تعطيل منظمة التحرير ومؤسساتها، وعلى أن تبقى المشاكل والكوارث التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة هذه السياسات الخاطئة مستمرة لوقتنا هذا".
ونتيجة لهذه السياسات، فقد الشعب الفلسطيني جزءا كبيرا من أرضه، بحسب مدير عام "الزيتونة"، الذي يرى أن اتفاق أوسلو جاء بسلطة هي في النهاية تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم الشعب الفلسطيني وأهدافه.
ويعتقد أن نية عباس عقد المجلس القديم، "إصرار على الخطأ والاتجاه الخاطئ ورسالة سلبية لكل القوى الفلسطينية المخلصة التي فتحت صدرها للمشاركة ودخلت في مفاوضات لسنوات طويلة مع هذه القيادة (الحالية للمنظمة) لكن هذه القيادة تضرب بعرض الحائط هذه الجهود الكبيرة التي بذلت".
ويضيف: "أظن هو (عباس) يعطي بذلك إشارة سلبية لكل الأطراف الفلسطينية المخلصة، سواء كانت الفصائل والقوى أو المستقلون أو الفصائل الموجودة في الخارج ممن حرموا من المشاركة طوال 23 سنة الماضية في النظام السياسي الفلسطيني".
"العقلية الديكتاتورية"
وعن مدى ارتباط عقد المجلس بتركيبته القديمة بمسار التسوية مع الاحتلال، يجيب صالح: "ربما أراد (عباس) أن يستخدم هذا الإعلان لإثبات نوع من الشرعية التي يريد أن يؤكدها لنفسه مع تجاوز الحقائق على الأرض، وربما يريد أن يستخدم هذا كورقة ضغط على القوى الفلسطينية الأخرى في محاولة لتطويعها أو على الأقل تجاوزها".
ويُبين أن عباس "تجاوز القوى الفلسطينية في الانتخابات البلدية السنة الماضية عندما تفاعلت القوى الفلسطينية ووجد أنها ستقوم بمشاركة حقيقية قام بالانسحاب من هذه الانتخابات"، معتبرا أن رئيس السلطة فرض الانتخابات البلدية، التي أعلنت حكومة رامي الحمد الله نيتها إجراءها في مايو المقبل، بشكل معوج وخارج عن نطاق التمثيل الفلسطيني الحقيقي.
ويرى صالح، أن رئيس السلطة يريد أن يسير بنفس المسار السابق الذي "للأسف يؤكد العقلية التسلطية والديكتاتورية التي لا تتعامل مع الآخر ولا تقبله وتريد أن تهمش الآخرين ولا تقبل بشراكة حقيقية في صناعة القرار الفلسطيني".
من جهته، يجيب الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، عن سؤال صحيفة "فلسطين" بشأن أهداف عباس من عقد المجلس الوطني بتركيبته القديمة، بأن الأخير يريد "الحصول على شرعية جديدة من الشعب الفلسطيني ومن أعلى هيئة فلسطينية مسؤولة عن الشعب، ووضع خططه واستراتيجيته والخطوط العريضة السياسية القادمة".
ويتابع: "يريد (عباس) أن يجدد شرعيته ليقول للعالم: إنني أمثل الشعب الفلسطيني بأكمله وإنني مستعد للتفاوض مع أي مشاريع مستقبلية"، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في ظل ما يطرح الآن في الكواليس من مشروع "الصفقة الكبرى" التي يتحدث عنها ترامب.
أما الهدف الآخر، بحسب سويرجو، فهو "محاولة تغيير النظام الداخلي لمنظمة التحرير بما يتواءم ويتقاطع مع الرؤى السياسية التي ينوي" عباس الدخول فيها.
ويؤكد أن نجاح عباس في مسعاه هذا، يعني أنه أصبح "الديكتاتور" الفلسطيني الذي لا يستطيع أن يقول له أحد: لا.
يشار إلى أن ترامب تحدث خلال مؤتمر صحفي جمعه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في فبراير الماضي، عما وصفها بـ"مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تتضمن الكثير من الدول"، مشيرا إلى أنه يعكف حاليا على بحث "حل الدولتين" وحل الدولة الواحدة.