أطلقت صباح السبت صواريخ باتجاه البحر رافقها أصوات مرتفعة للإطلاق ثم أعقبها عدة انفجارات قوية، وقد تزامن ذلك وتحليق لطائرات استطلاع إسرائيلية لم تغب لحظة وهي تصل الليل بالنهار لإبقاء قطاع غزة تحت المراقبة الإسرائيلية المكثفة، وقد عقب الإعلام العبري على الحدث بأن حماس أطلقت الصواريخ في إطار تجاربها الصاروخية لتطوير قدراتها العسكرية.
مع إدراك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن الإطلاق يأخذ مناحي أخرى يريد الجناح المسلح لحماس إيصالها في ذروة التصعيد الإسرائيلي، واستمرار التهديدات التي تتصاعد وتنال من الأرض الفلسطينية وتخنق قطاع غزة بعد تفاقم الوضع الإنساني وتلكؤ الاحتلال في تنفيذ استحقاقات فرضتها المقاومة لتحسين حياة السكان بالقطاع، الأمر الذي يدفع الإسرائيليين للتعامل بجدية مع هذه الرسائل.
فحرارة الصواريخ تعكس حرارة المشهد الداخلي في قطاع غزة، لذلك إن هذه الرسائل تدفع الوسطاء لنقل الطمأنات دوريًّا بأن الاحتلال لا يريد التصعيد وهو جاهز لتحسين الظروف في غزة، ولكن موضوعيًّا وعلى الرغم من كل شيء إن سكان القطاع سئموا الأوضاع الحالية ويريدون تغييرًا حقيقيًّا وجذريًّا، يخرجهم من الأزمات المركبة التي أرهقت كاهلهم، وأصابت كل القطاعات بشلل تام على الرغم من كل الجهود التي بذلت.
وهذا بدوره سينعكس على طبيعة المشهد الميداني الذي ربما لن يستمر بتوفير هدوء مجاني للاحتلال ما لم يلتزم بشروط فرضتها المقاومة، ففي الداخل الإسرائيلي يدركون تمامًا أن استمرار الهدوء في جبهة الجنوب هش ولا يمكن استمراره على هذا النحو، وأن قيادة حماس لا يمكن أن تحتمل مزيدًا من الضغوط على السكان، وعلى الرغم من أن الطرفين لا يرغبان بالتصعيد في الوقت الحالي السلوك الإسرائيلي مع قطاع غزة ربما يفجر الأوضاع نحو مواجهة في أي لحظة.
ولا نريد أن نخدع أنفسنا؛ ففي حقيقة الأمر إن الاحتلال لا يرغب في تحسين واقع قطاع غزة، ولا يسعى لبقاء هذا التهديد المزمن يلازمه مع تطور قدرات المقاومة؛ فهو يستشعر حجم التهديد وجسامة الخطر اللذين تشكلهما هذه المقاومة على جنوده ومستوطنيه، ولذلك لا يتوقف عن محاولاته المتكررة لرفع جاهزية قواته وتعزيز وحداته العسكرية، وإمدادها بتقنيات ومعدات حديثة قادرة على مواجهة تهديدات المقاومة، هذا إضافة إلى مسابقة الزمن في بناء الجدار الأمني والعوائق الأرضية والبحرية لاعتراض الأنفاق ووقف خطر الكوماندوز البحري.
وتبقى هذه الرسائل تطلق وميض التحذير لصانع القرار داخل الكيان بأن استمرار الضغط على غزة يمكن أن ينقل المشهد إلى جولات أخرى لا يريدها العدو الإسرائيلي، مع أزماته الداخلية وارتفاع وتيرة الاستقطاب بين المكونات السياسية الإسرائيلية، وما يرافقها من تغييرات دراماتيكية وأحداث سياسية طارئة تشهدها المنطقة والعالم، يمكن أن تفرض واقعًا مغايرًا للحسابات الإسرائيلية الرامية للتمدد في المنطقة وبناء التحالفات.