كان يعتقد أنه لن يغيب مجددا عن عائلته بعد 10 أعوام قضاها قبل ذلك بالدراسة، لكن هل هلال العيد وهو بعيد عنها وفق ما تتطلبه طبيعة عمله بصفته طبيبا، وهذه المرة بسبب جائحة كورونا.
"بابا متى بدك ترجع؟"، كان مالك ذو الأربعة أعوام يوجه هذا السؤال لأبيه عندما يتحدث مع العائلة عبر شاشات الهواتف النقالة والفيديو، بينما والدته تجنبت الحديث خوفا من ألا تتمالك نفسها ودموعها أمامه، فيكتفيان بتبادل النظرات عبر الكاميرا والتي أحيانًا تكون أبلغ من الكلام.
الطبيب محمد راتب حرز اختصاصي الأمراض الصدرية في مستشفى الشفاء، انتقل للعمل في مستشفى العزل الميداني برفح، أخيرا، في ظل الجهود المبذولة للوقاية من فيروس كورونا، وحماية قطاع غزة منه.
العيد له طقوسه الخاصة، وبالنسبة له فهناك طقوس معتاد عليها مع هلال كل عيد، قائلا: "كنت أتجمع مع إخوتي عند والدتي، نسهر ونتسامر ونضحك في جو عائلي بامتياز".
هذا عدا عن تحضيرات العيد وتجهيزاته قبل حلوله بأيام عدة من شراء الحلويات وما يلزم، وملابس لأبنائه، ويوم العيد يذهب ومعه أبناؤه يرافقونه إلى المسجد لأداء صلاة العيد، وبعدها يعودون للبيت ليعايد والدته وزوجته وأبناءه، ويتناول طعام الفطور برفقتهم، وبعدها يبدأ مارثون المعايدة والزيارات عند الأرحام.
صمت لبرهة قبل أن يتابع لصحيفة "فلسطين": "ما أجملها من أيام، رغم أن هذه الطقوس ممارسة عند أغلب الناس إلا أن معايشة تلك الأجواء بين عائلتك له نكهة خاصة، كالكعك الذي تعده أمي".
أما هذا العيد فكان طعمه مغايرا بعض الشيء، فقد قضاه حرز برفقة زملائه العاملين معه في مستشفى العزل الميداني برفح ، مضيفًا: "حاولت أن استشعر بفرحة العيد، ففي ليلته دخلت على المرضى جميعًا مهنئا إياهم، بعضهم طلب أن نصلي العيد سويًا، وأخريات طلبن زينة".
وفي صبيحة يوم العيد أعد زملاؤه في المستشفى طعام الإفطار مما وفرته الإدارة من فسيخ السمك المملح، ودمعة بندورة "طشطاش"، وطراشي ولبن ومقبلات وشاي، كما لو أنهم في بيوتهم، وعايدوا بعضهم بعضا سلامًا دون ملامسة الأيدي، ومتمنين السلامة للجميع وأن يرفع الله البلاء، ويسلم الوطن من كل سوء.
وبالنسبة لعائلته فكان هذا العيد الأول الذي يقضيه بعيدًا عن عائلته ليلًا نهارًا منذ 20 عامًا، متابعًا حديثه: "فارقت أهلي 10 أعوام فترة الدراسة، لكن هذه الفترة أشد تأثيرا لوجود أطفالي الصغار، وابني الذي يمتحن ثانوية عامة ومن المفترض أن أكون بجانبه في مثل هذه الأيام".
وخلال أيام العيد كان حرز يتابع الحالات المرضية وقلبه يرنو نحو عائلته، "رغم ابتعادي عنهم فإن العاطفة موجودة لا انكرها، فلست من حديد، والاشتياق لهم موجود، ولكن عملي يحتم عليّ القبول والرضى، فمن للمرضى إذا رفضنا".
والذي هون عليه ابتعاده عن عائلته في تلك الفترة هو تكاتف وزارة الصحة من رأس هرمها إلى قاعدته ومواصلتهم الليل بالنهار لمواجهة هذه الجائحة –كما يؤكد- ولذلك فإنه يرى أن لكل شخص موقعه وعمله الذي يخدم به مجتمعه، فهذه المرحلة لا تعرف التخاذل ولا التقاعس ولا الانسحاب، "فأشبه وضعنا بالمعركة وكل منا على ثغر"؛ وفق تعبيره.
وبالنسبة لعائلته فلا تخلو المكالمة الهاتفية من توصيته بالاهتمام بنفسه والا يتخاذل في اتباع إجراءات السلامة والوقاية، وذلك بسبب طبيعة المرض الفيروسي، وامكانية انتقاله للكادر الطبي ومتابعتهم للأخبار والوفيات حول العالم خصوصا من الكوادر الطبية، مما يزيد من قلقهم ومخاوفهم.
وأكثر ما أحزن عائلة د. حرز ابتعاده عنهم لفترة الطويلة خاصة موسم شهر رمضان وأجواء العيد، فقد بدأ عمله في مستشفى المعبر في 17 من الشهر الجاري وتستمر لمدة أسبوعين، بعدها اسبوعا حجر الزامي بإحدى الفنادق، وثم حجر بيتي منزلي الزامي مدته اسبوعان، فكان صعبًا عليهم التقبل والموافقة في البداية.
ومما أثر به ابتعاده عنهم فترة استعداد ابنه البكر لتقديم امتحانات الثانوية العامة، فهو من كان يراجع له دروسه، ليضاف هذا العبء إلى زوجته.