قائمة الموقع

ضم الضفة الغربية انتهاك صفيق للقانون الدولي

2020-06-05T18:29:00+03:00
نقلًا عن الغد الأردنية

سوف يحول ضم الضفة الغربية الأراضي إلى خليط متباعد من المناطق الفلسطينية الهائجة وغير المستقرة، الذي يهدد دائمًا باندلاع انتفاضة جديدة.

في عمله التالي، بعد أن نجا من صراع سياسي استمر مدة عام احتاج إلى ثلاثة انتخابات وأزمة صحية حتى يتجاوزه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيبدأ في الأول من تموز (يوليو) عملية ضم المستوطنات اليهودية وغور الأردن في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، كما تعهد في حملته.

ومع أن المستوطنات توسعت باطراد على مدى عقود عديدة، وكان غور الأردن تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية فعليًّا، هناك العديد من الأسباب التي تجعل الضم الفعلي فكرة سيئة.

السبب الرئيس هو أن المنظمات الدولية ومعظم دول العالم تعد الضفة الغربية أراضي محتلة، والمستوطنات اليهودية غير شرعية بموجب اتفاقية جنيف، وعند القوميين الإسرائيليين، إن الضفة الغربية هي “يهودا والسامرة”، الوطن التوراتي لليهود. وتعتقد (إسرائيل) أن اتفاقية جنيف لا تنطبق عليها لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وأن أيًّا من المستوطنين “لم يرحل أو ينقل” إلى الأراضي، حسب لغة الاتفاقية.

ومع ذلك، إن الأمم المتحدة وجميع الدول الكبرى ستدين الضم لكونه غير شرعي إلا الولايات المتحدة، وعمومًا، كانت الإدارات الأميركية السابقة قد تجنبت اتخاذ موقف بشأن شرعية المستوطنات، مفضلة وصفها بأنها “عقبة في طريق السلام” ومعتقدة بأن تلك المُلكية يجب أن تحل في سياق تسوية سلمية.

مع ذلك، في تشرين الآخر (نوفمبر) الماضي، أعلنت إدارة ترامب صراحة أن الولايات المتحدة لا تعد المستوطنات “غير متوافقة مع القانون الدولي”، وهو ما عنى اصطفاف الإدارة الأميركية في جانب القوميين الإسرائيليين وإلقاء ثقلها خلفهم.

ولكن في حين أن إدارة ترامب ستمنح مباركتها للضم، أعلن جو بايدن أنه سيعكس هذا الموقف إذا ما انتخب رئيسًا.

سوف يؤدي الضم إلى تحويل الضفة الغربية إلى خليط من "البانتوستانات" الهائجة وغير المستقرة، وبطريقة تهدد إلى الأبد بقيام انتفاضة فلسطينية جديدة، وسيضعف الدعم الذي تتلقاه (إسرائيل) في أوساط الحزب الديمقراطي وبين الشباب الأميركيين. وقد يزعزع استقرار الأردن؛ البلد الذي يشكل فيه الفلسطينيون نسبة كبيرة من السكان، ويمكن أن يجهد علاقات (إسرائيل) الجديدة مع الدول العربية السنية.

    وقد يضع الضم نهاية للتعاون الأمني الذي ما يزال قائمًا بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، وقد أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أنه سيكون، مع الحديث عن الضم، “في حِلٍّ” من كل الاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل) والولايات المتحدة. صحيح أن هذه ليست المرة الأولى التي يلوح فيها بالانسحاب من الاتفاقيات، لكن مدة ولايته تقترب من نهايتها، ومن المرجح أن يكون خليفته أكثر تشددًا، وإذا انهارت السلطة الفلسطينية تمامًا، بسبب اندلاع للعنف أو نتيجة لعمل احتجاجي سلمي، سوف تضطر (إسرائيل) إلى مواجهة معضلة السيطرة على عدد كبير من السكان الذين يفتقرون إلى التمتع بحقوق المواطنة، وهي مهمة بغيضة وخطيرة ومكلفة، ولن يرغب أي إسرائيلي في استعادتها مرة أخرى.

    ما مِن شك في أن نتنياهو يعتقد أن أسبابه للضم تفوق كل هذه المخاطر، وكان قد عمل طوال مدة ولايته رئيسًا للوزراء على توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، وأصبحت المناطق التي سيضمها الآن -وفيها غور الأردن- أجزاء لا تتجزأ من (إسرائيل) في كل شيء إلا الاسم، ولم تكن هناك مفاوضات منذ عامين على الأقل، وفي نظر المحافظين الإسرائيليين، إن حل الدولتين الذي أُعلن منذ مدة طويلة أنه هو الهدف من التفاوض قد مات.

    بعد أن خدم في المنصب مدة أطول مما فعل أي رئيس وزراء في التاريخ الإسرائيلي، ربما يعتقد نتنياهو أن توسيع الدولة اليهودية في الأراضي العبرية التوراتية في يهودا والسامرة سيصبح إرثه، وخط الأساس الجديد لأي مفاوضات مستقبلية، وهو يدرك تمام الإدراك أن إدارة ترامب، التي منحته في الأساس والجناح اليميني الإسرائيلي كل رغباتهم: سفارة للولايات المتحدة في القدس؛ وإعلان أن الولايات المتحدة لن تعد المستوطنات اليهودية غير قانونية؛ وقبول سيطرة (إسرائيل) على مرتفعات الجولان وتوسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، توفر فرصة خاصة لبسط السيادة الإسرائيلية وتوسيعها بموافقة أميركية.

    على المستوى السياسي الأكثر ميلًا إلى الاستعراض؛ حيث يزدهر نتنياهو ويبرع بشكل خاص، سوف يعزز الضم دعم اليمين الإسرائيلي له، وسوف يلفه بعباءة البطل اليهودي عندما يَمثل أمام المحكمة في تموز (يوليو) لمواجهة الاتهامات بالفساد، وهي سحابة ظهرت بشكل كبير في مناوراته، وفي حين أن اليسار الإسرائيلي يعارض الضم، إن المنافس السياسي السابق لنتنياهو، رئيس أركان الجيش السابق بيني غانتس، الذي نافس رئيس الوزراء ليصلا إلى طريق مسدود في ثلاثة انتخابات وطنية، متحالف الآن مع السيد نتنياهو في حكومة الوحدة، وليس لديه حق النقض (الفيتو) على الضم.

    ولدى الرئيس ترامب اعتباراته الخاصة بدوره، وأحدها هو اليمين الإنجيلي الذي يؤيد التوسع الإسرائيلي بحماس لأسبابه الخاصة، وهو جزء مهم من حسابات الرئيس لإعادة انتخابه، وسيكون ترامب مترددًا جدًّا في التخلي عن هؤلاء الأتباع بتحدي السيد نتنياهو علانية، حتى لو كان لديه ميل إلى فعل ذلك.

    لكن للإدارة مصلحتها الخاصة أيضًا في إبطاء اندفاع نتنياهو، وهذه هي خطة "السلام" التي وضعها صهر ترامب، جاريد كوشنر، في كانون الآخر (يناير)، وهي خطة أحادية الجانب، تمنح (إسرائيل) في الأساس جميع الأراضي التي يريد نتنياهو ضمها الآن، وقد رفضها الفلسطينيون الذين لم يكن لهم أي دور في صياغتها، لكن الخطة تتصور على الأقل توسعًا إسرائيليًّا في سياق اتفاق سلام يتلقى فيه الفلسطينيون قدرًا كبيرًا من المساعدة المالية، إضافة إلى الوعد بإنشاء طرق تصل بين جيوبهم، وستكون خطوة إسرائيلية أحادية الجانب ازدراءً محرجًا لتفاخر السيد ترامب بأنه يمتلك المفتاح لاتفاق سلام.

    إذا كان نتنياهو يفكر حقًّا في إرثه، فعليه أن يأخذ على محمل الجد احتمال أن ترامب قد لا يكون رئيسًا في العام المقبل، وأنه سوف يُترك مع أراضٍ لا يعترف بسيادته عليها أحد، حتى أقرب أصدقاء (إسرائيل) وأكثرهم أهمية، وفي حين قال بايدن -وهو مؤيد قوي لـ(إسرائيل)- إنه لن يقلل الدعم الأمني الأميركي لـ(إسرائيل)، إن الخلاف مع نتنياهو في مسألة ضم الضفة الغربية يمكن أن يقلل بشكل خطير من دعم أميركا الذي يأتي من الحزبين تقليديًّا لـ(إسرائيل).

    ومن أجل ماذا؟!، إيماءة رمزية لا تجعل المستوطنات أكثر شرعية في القانون الدولي مما كانت من قبل، وإنما ستزيد من خطر العنف وتقوض مكانة (إسرائيل) في العالم وتضر بتحالفات (إسرائيل) المتأرجحة مع الدول العربية، وتقلل من الفرصة الضئيلة مسبقًا للتوصل إلى تسوية سلمية، تظل السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع الرهيب.

اخبار ذات صلة