يتفق متخصصون في مجال حقوق الإنسان، على أن جميع الممارسات الإسرائيلية تجاه غزة تهدف لإهدار حقوق المواطنين، وأنها لم تترك حقا من حقوق الإنسان إلا وانتهكته، بداية من الحق في الحياة مرورا بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وليس أخيراً بمنع الوفود الحقوقية الدولية من الدخول والخروج لغزة.
وطالبت منظمة "هيومان رايتس ووتش" سلطات الاحتلال الإسرائيلي برفع الحظر المعمم على السفر إلى غزة والخروج منها، والسماح بحرية تنقل الأشخاص في الاتجاهين، رافضة سياسة إخضاعهم لفحوص أمنية وتفتيشات جسدية فردية.
وأكدت المنظمة في تقرير أصدرته أمس، أنه "يجب أن تتم هذه التفتيشات بشكل شفاف وغير تعسفي، ويجب أن يحظى الأفراد بفرصة الطعن في قرارات الرفض أمام سلطات الاحتلال، ويجب الموازنة بين إجراءات الحماية من تهديدات أمنية ملموسة والتزامات إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة".
ومن أبرز إجراءات الاحتلال بحق المؤسسات الحقوقية، أنها منعت اللجنة الدولية التي شكلت بعد العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014، من دخول القطاع، لادعاء الاحتلال أن رئيسها معادٍ للكيان الإسرائيلي، وفق رئيس دائرة التوثيق بمؤسسة الحق لحقوق الإنسان تحسين عليان.
وقال عليان لصحيفة "فلسطين": "إن (إسرائيل) تبذل قصارى جهدها من أجل عدم قيام تحقيق جدي بجرائمها ومنع الطواقم الحقوقية من الدخول والخروج من غزة"، لافتا أن أنها تمنع لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتحقيق في الانتهاكات في الأراضي المحتلة منذ عام 1968 (العام التالي لتاريخ استكمال احتلال باقي الأراضي الفلسطينية).
وبين أن تلك اللجنة تقوم كل عام بمقابلة ممثلين عن مؤسسات حقوقية فلسطينية بالأردن لتستمع لشهاداتهم، مشيرا إلى أن (إسرائيل) وافقت على دخول فريق المحكمة الجنائية الدولية للضفة الغربية بشروط رغم أن زيارتهم كانت للتعريف بالمحكمة، حتى أنها أجبرتهم على سلوك مسار معين لتجنيبهم رؤية جدار الفصل العنصري.
ورأى أن الاحتلال لا يرد لأي أحد أن يشهد على جرائمه التي ترتكب في قطاع غزة، من خلال عدم تمكين المؤسسات الحقوقية من استخدامها كدليل في المحاكم الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية.
وقال عليان: "حتى لو وصل الفلسطينيون لمرحلة قررت فيها المدعية العامة للجنائية الدولية الشروع بتحقيق حول انتهاكات الاحتلال للقانون الدولي فإن سلطات الاحتلال لن تسمح لطواقم المحكمة بالدخول والخروج، مما يشير إلى أنها غير راغبة من حيث المبدأ بأن تعقد تحقيقات جنائية مهنية من أجل مساءلة من ارتكبوا جرائم بحق الفلسطينيين".
ولفتت إلى أن هناك ضغوطات شديدة تمارس على مؤسسات حقوقية أخرى إضافة إلى الجنايات الدولية، من أجل عدم الوصول لمرحلة تتم فيها مساءلة المتهمين الإسرائيليين عن جرائمهم.
وللتقارير الحقوقية، والكلام لعليان، أهمية كبيرة، فهي تشكل أحد الأدلة على جرائم دولية ترتكب في غزة، يمكن الاستناد إليها من أجل البدء في تحقيقات دولية في الجرائم التي ارتكبت.
تشديد الحصار
الباحث في وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان د. فضل المزيني يقول: "إن منع الوفود الدولية الحقوقية من دخول غزة يأتي في إطار تشديد الحصار ككل"، مشيرا إلى أن (إسرائيل) على مدى الشهور الستة قلصت أعداد العاملين بمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الذين يسمح لهم بالدخول للقطاع، مما ينعكس سلباً على أهالي القطاع.
وأضاف المزيني لصحيفة "فلسطين": "إن تلك المنظمات تعمل على رصد وفضح الانتهاكات الإسرائيلية بحق أهالي القطاع، كذلك تقديم المشورة والعون بخصوص الحصول على حقوقهم الإنسانية".
وذهب للإشارة إلى أن الاحتلال لم يسمح للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان باستضافة مؤسسات حقوقية دولية، موضحا أنهم أيضاً يتلقون ردودا سلبية من الاحتلال خلال تقديمهم طلبات بالسماح لهم بمغادرة غزة للمشاركة بمؤتمرات خارجية تتعلق بحقوق الإنسان.
وبين المزيني أن (إسرائيل) تبرر رفضها لسفر ممثلي حقوق الإنسان أيضا للخارج، تحت ذريعة أنهم من ضمن الفئات التي لا تنطبق عليها معايير الخروج من معبر بيت حانون.
وحول أهمية قدوم الوفود الحقوقية لغزة والخروج منها بأريحية، بين المزيني أن القطاع جزء من العالم ويجب أن يتم رصد ما يحدث فيه من انتهاكات على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
ولفت المزيني النظر إلى أن المنظمات الدولية الحقوقية متخصصة سواء بالمجالات التعليمية والمدنية والسياسية والطبية، وأنه من الأهمية بمكان أن يكون القطاع جزءًا من أجندة عملها وهذا ينعكس على حقوق الإنسان ويعمل على تطويرها.