ارتبط تشكيل وكالة "الأونروا" وفقاً للقرار رقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون أول/ديسمبر 1949 بعملية اقتلاع وطرد ثلثيْ الشعب الفلسطيني من أرضه وممتلكاته في العام 1948، ومن ثم ضرورة تأمين احتياجاته الإنسانية من الغذاء والدواء والكساء والإيواء والتعليم لبينما تتم عودة اللاجئين إلى ديارهم وفقاً لما نص عليه دور ومهام لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين (UNCCP) التي تشكلت كجزء من القرار 194 لتاريخ كانون أول/ديسمبر 1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات.
وبهذا لا ينبغي للشاهد على جريمة التهجير التي تحولت إليه "الأونروا" أن يتوقف عن القيام بمهامه حتى يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بيوتهم، وهذا يشمل الحاضرون المغيبون في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 وعددهم ما يقارب من نصف مليون فلسطيني مهجر.
استهداف وكالة "الأونروا" المنظم والممنهج الذي تقوده الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي المحتل لا يقل أهمية عن استهداف أي من ملفات القضية الفلسطينية الأخرى، سواء الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، أو انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس، أو قانون القومية اليهودي الإحلالي والعنصري، أو تهويد القدس أو محاولات ضم الضفة الغربية والأغوار.. وبالتالي عملية مواجهة استهداف الوكالة يجب ألا تقل عن مواجهة أي من الملفات الأخرى.
منذ إطلاق ما يسمى بعملية التسوية في مؤتمر مدريد عام 1991، ولم تتوقف حكومات العدو الإسرائيلي المتعاقبة والإدارة الأمريكية عن السعي لإنهاء عمل "الأونروا"، وتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى ملف حالات اللجوء التي حدثت وتحدث بسبب الكوارث الإنسانية والعوامل الطبيعية.. ووصلت ذروتها مع مجيئ ترامب إلى الرئاسة الأمريكية وتخصيص الجزء رقم 16 من ما تسمى بـ "صفقة القرن" لتقديم "حلول" التفتيت والتجزئة لقضية اللاجئين الفلسطينيين وداعياً لإنهاء عمل الوكالة.
يُخطئ استراتيجياً من يعتقد بأن وكالة "الأونروا" هي خصم للاجئين الفلسطينيين، وهي التي يوضع الخطط ليل نهار لاجتثاثها والقضاء عليها. قرار إنهاء عمل وكالة "الأونروا" كما فسره نتنياهو، يعني إنهاء لحق عودة على الأقل لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في سجلات الوكالة لهم الحق في العودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم، وهو الحق الثابت الذي لا يسقط بتقادم الزمن، كما الحق في القدس وكامل فلسطين.
بهذا المعنى لا يمكن اعتبار وكالة "الأونروا" خصماً للاجئين، إذ يكفي عملية الاستهداف بان يترأسها نتنياهو شخصياً والرئيس الأمريكي ترامب ومجموعة الطاقم الرئيسي الذي يعمل معه سواء من كان أو من هو موجود حالياً (نيكي هيلي، جون بولتون، جيمس غريمبلانت، كوشنير وغيرهم).
هجمة نتنياهو - ترامب على الوكالة تأتي ضمن استراتيجية متعددة الوسائل والأدوات والتي يجب أن نعيها وأن تبقى حاضرة دائما وهي تشمل:
أولاً: الدفع الدائم باتجاه تقليص الدعم للموازنة العامة للوكالة وهو ما يحدث حالياً مع وصول العجز المالي للأونروا لسنة 2020 إلى ما يقارب من مليار دولار وهو ما لم يحصل منذ إنشاء الوكالة في العام 1949.
ثانياً: فرض شروط على أوجه صرف المساهمات المالية المقدمة من المانحين.
ثالثاً: ضغط على "الأونروا" لتقليص الخدمات كماً ونوعاً وهو الملحوظ وبشكل لافت، وتحديداً منذ مطلع العام 2017 (وصول ترامب إلى الرئاسة)، وصلت إلى مرحلة فصل موظفين، وتراجع في تقديمات خدمات الصحة والتعليم والإغاثة والبنى التحتية للمخيمات، وصولاً للحصول على قرض بقيمة 30 مليون دولار في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2019 من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) لدفع رواتب للموظفين، وحالياً لا رواتب لـ 33 ألف موظف لشهر تموز/يوليو 2020 في مناطق عملياتها الخمسة إن لم يتم توفير المبالغ المطلوبة.
رابعاً: ضغط وإغراءات مالية لنقل مسؤوليات "الأونروا" الى الدول المضيفة للاجئين، وتحديداً الأردن ولبنان والدفع باتجاه التوطين وإنهاء حق العودة.
خامساً: تحميل الدول العربية وخصوصاً الخليجية مسؤولية تمويل "الأونروا"، وبالتالي "التحلل" من المسؤولية الدولية تجاه اللاجئين من خلال الوكالة وإلقاء تبعاتها على الدول العربية، وعملياً رفع مسؤولية تهجير واقتلاع اللاجئين عن الكيان المحتل.
سادساً: تشجيع ودعم مؤسسات محلية وإقليمية ودولية غير حكومية، للقيام بمهمات من اختصاص "الأونروا" أصلاً، تعليمية أو صحية أو إغاثية كما جرى ويجري وعلى سبيل المثال لا الحصر في مكافحة جائحة كورونا في مخيمات وتجمعات اللاجئين، والتي تعتبر من المهام الأساسية لعمل الوكالة لا سيما فيما يتعلق ببرنامج الصحة والإغاثة وهو ما تتصدره مؤسسات مجتمع مدني بالإضافة إلى فصائل فلسطينية، وتدخّل الوكالة لا يرقى إلى المستوى المطلوب وفقاً للاحتياجات.
سابعاً: وهو محور عنوان مقالنا، بالترويج لفكرة أن وكالة "الأونروا" هي خصم للاجئين نتيجة بعض المواقف غير المقبولة والمرفوضة التي تصدر نتيجة خلل ما في الأداء، سواء على مستوى الإدارة والتخطيط أو تنفيذ بعض البرامج.. وبأن الوكالة لا تتمتع بالكفاءة اللازمة، وزعزعة الثقة فيها، وتسخير أدوات للعبث فيها سواء من داخلها أو من خارجها.
ولهذا نتيجة ما تتعرض له الوكالة من ضغوط، تحتاج منا على مستوى القوى والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني واللجان الشعبية والأهلية والمتضامنين عموماً.. إلى التوعية حولها وحمايتها والحفاظ عليها من خلال المتابعة الدائمة والتقويم والتصويب وتقديم النصح والإرشاد سواء على المستوى الإداري، أو الصرف المالي والمواجهة السلمية إذا اقتضت الضرورة في سبيل الإصلاح.. وأن توضع عملية الاستهداف المنظم والمنهجي للوكالة بمستوى خطورة استهداف باقي ملفات القضية الفلسطينية والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، والذي يجب أن يُواجه بالقوة نفسها التي يواجه فيها قرارات إستهداف القضية الفلسطينية الأخرى.
مواجهة قرار تصفية الوكالة لا شك يساعد على إفشال ما يجري التخطيط والترتيب له من تصفية للقضية الفلسطينية وفي مقدمته تهويد القدس وشطب حق العودة وتوطين اللاجئين، لذلك الخصومة يجب أن تُوجه لمن يروج لفكرة أن وكالة "الأونروا" هي خصم للاجئين، وتوجيه الخطاب لمن يحاول أن يُفرغ الوكالة من مضمونها كتعبير للمسؤولية السياسية للمجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين.