ذهبت آراء محللين سياسيين إلى ضرورة إقدام السلطة على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي في ضوء ما أعلن عنه رئيس الإدارة الأمريكية دونالد ترامب، في صفقته التصفوية نهاية يناير/ كانون الثاني 2020، وردًّا على بدء الاحتلال في ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وعدَّا أن ذلك يحتم على السلطة وقف التنسيق الأمني بعدما اتضح المشروع الإسرائيلي الذي ليس في وارده إطلاقًا نوايا حسنة لدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، والتي وقعت لأجلها منظمة التحرير اتفاق (أوسلو) 1993.
وقال أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة بيرزيت د. أحمد عزم: إن التنسيق بين السلطة و(إسرائيل) وجد في إطار اتفاقيات (أوسلو) ومدتها تنتهي بحلول 1999، وهي قائمة على مجموعة أسس من ضمنها وجود مناطق خاضعة لسيطرة السلطة بالكامل، وللمواطن فيها حصانة لا يستطيع الاحتلال انتهاكها.
لكن الاحتلال سنة 2000 أنهى كل الالتزامات والتعهدات المفروضة عليه وخاصة فيما يتعلق بعدم اعتقال أحد داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، أو دخول هذه المناطق لاعتقال أحد، وكانت هناك سلسلة التزامات على الجانب الإسرائيلي تنفيذها.
وقال: إن السلطة قبلت في البداية بالتنسيق الأمني بناءً على بندين؛ الأول: اعتقادًا منها أن ذلك جزء من ترتيبات انتقالية تنتهي سنة 1999، وبالتالي يصبح هناك دولة فلسطينية خارج إطار الحسابات الانتقالية، والبند الثاني: أن السلطة اعتقدت أن التنسيق فيه مصلحة للشعب الفلسطيني تتضمن وجودًا لها على المعابر والحدود والحصانة أيضًا.
وأضاف: «حاولت السلطة منذ ذلك العام حتى اليوم ألا تصل إلى مرحلة القطع الكامل لموضوع التنسيق الأمني أملاً بعودة عملية (التسوية)، لكن ما اتضح أن الاحتلال خاصة مع موضوع الضم الأخير، ليس في وارده أبدًا العودة إلى علاقة تعاقدية أو علاقة فيها اتفاقيات مع السلطة، وهو يريد أن يفرض ما يريد من جانب واحد، ويريد من الفلسطينيين أن ينفذوا اتفاقيات دون أن ينفذ هو».
وأشار إلى أن قيادة السلطة ترى في ذلك «إنهاء لفكرة التسوية والعلاقة التعاقدية، في وقت لم ينفذ الاحتلال الشق الواقع عليه من الاتفاقيات الموقعة (...) في الحقيقة، قد تكون السلطة قادرة على وقف التنسيق الأمني لأنه لا يوجد لديها ما تخسره، وهي لا تأخذ شيئًا بالمقابل الآن».
ورأى أن التدخل الإسرائيلي السافر في شؤون الشعب الفلسطيني اليومية، تعدى عدم احترام الاتفاقيات الموقعة مع السلطة، وصولاً إلى آخر حلقة رأيناها فيما يتعلق بالأسرى والشهداء، وتهديد البنوك الفلسطينية مباشرة لإجبارها على إغلاق حسابات الأسرى، وهذا ما يجعل السلطة ملزمة وقفَ التنسيق الأمني مثلما أوقفته (إسرائيل) منذ سنوات ومارست انتهاكات مختلفة بحق المواطنين.
ونبَّه إلى أن الاحتلال يسعى إلى زعزعة رواية الحق الوطني للفلسطينيين، من خلال التشكيك بقضية الأسرى والشهداء، والحديث عن مناهج التربية والتعليم التي تنادي بفلسطين وتتحدث عن الشهداء والأسرى، بأنها تنادي بـ»الإرهاب»، وكأن تقديم مساعدة أو مخصصات اجتماعية لأسر الشهداء والأسرى، «إرهاب».
وبين أن الاحتلال بدد رؤية منظمة التحرير وقيادة السلطة لاتفاق (أوسلو) بأنها كانت «اعترافًا بشرعية النضال الفلسطيني ومطالب مشروعة للشعب سيتم تلبيتها في إطار عملية التسوية»، لكن (إسرائيل) مارست ضغوطات متعددة على أطراف دولية وأنكرت حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
جدية الموقف
من جهته، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي د. إبراهيم أبو جابر، إنه يجب أن يكون لدى السلطة نسبة عالية من الجدية هذه المرة في التعامل مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، وأتوقع أن تكون هذه المرة نسبة الجدية أكثر من المرات السابقة.
وأضاف أبو جابر، لا شك أن هناك حدية وجدية في الخطاب الفلسطيني ضد الاحتلال، خاصة وأن الأمور بدأت تتكشف بعد صفقة ترامب التي باتت شبه أكيدة، وأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يحاول بعد نجاحه في تشكيل الحكومة؛ ضم أجزاء من الضفة إن لم تكن جميعها قبل الانتخابات الأمريكية نهاية العام الحالي.
ومقابل ذلك، ذكر أنه يجب على السلطة العزم والبدء في وقف التنسيق الأمني بهدف تحريك الرأي العام تجاه ما يتعرض له الفلسطينيون في أراضيهم المحتلة، مشيرًا إلى حديث يجري لعقد مؤتمر قريب خاص بفلسطين، بمشاركة روسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
ونبَّه إلى أن وقف التنسيق الأمني يحرج (إسرائيل) رغم أن الكثير يقللون من قدرة السلطة على ذلك، لأنهم يعرفون تجارب سابقة لرئيس السلطة محمود عباس، عندما أعلن أكثر من مرة بأنه في حلٍّ من التنسيق الأمني لكن دون نتيجة. وقال: إن «(إسرائيل) ستتضرر من هذا الموضوع، لأنه إذا ألغي ما اتفق عليه في (أوسلو) وغيره، ستصبح هي مسؤولة عن أكثر من 3 ملايين فلسطيني في الضفة المحتلة، من ناحية خدمات ورواتب ولوجستيات (...) كل هذه الأمور ستصبح مسؤولة عنهم، وهذا يكلف الخزانة الإسرائيلية ملايين الدولارات».
كما أن الاحتلال «يعمل حسابًا لموقف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، لأنه كان نوعًا ما حادًّا هذه المرة، وهدد بإعادة النظر في اتفاقية وادي عربة».
لكنه أشار إلى أنه بإمكان (إسرائيل) في النهاية فعل ما تشاء وبالقوة العسكرية، لكن عليها أن تتحمل النتائج، مستفيدة بذلك من الدعم الأمريكي اللامتناهي لها، لكنه رأى أن ضغط الرأي العام العالمي وخاصة الاتحاد الأوروبي قد يدفع الأخيرة لتأجيل مخططاتها، أو تنفيذ عملية الضم على مراحل خاصة أنها تلقى معارضة من سياسيين داخل دولة الاحتلال ذاتها.
وعدَّ أن الوضع قابل للانفجار إذا اتخذ قرار بحل السلطة وإعادة منظمة التحرير إلى المشهد السياسي والأمني، وهذا يعني أن للفصائل الوطنية رؤية التصرف كما تشاء، ما يعني عودة العمل العسكري واندلاع انتفاضة.