مشهد يبدو مؤلماً وحزيناً في باحات المسجد الأقصى المُبارك هذا العام، بعدما غاب عنه أداء صلاة قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان في أعقاب إغلاقه، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية من إمكانية تفشي فيروس كورونا.
في كل زاوية من الأقصى وعلى كل مسطبة كنت ترى معتكفاً يصلي أو يقرأ القرآن، كما مئات الآلاف من المصلين الذين يقصدونه في شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر.
لكنّ تفشي فيروس كورونا هذا العام غيّر من هذا المشهد، حيث باتت ساحات المسجد الأقصى خالية تماماً من المصلين باستثناء من يسمح لهم من موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية.
"إن العين لتدمع والقلب ليحزن"، بهذه الكلمات افتتح مدير الوعظ والإرشاد في الأوقاف الإسلامية الشيخ رائد دعنا حديثه، تعبيراً عن حجم الغصّة والألم الذي ينتابه، لعدم تمكّنه من أداء صلاة العشر الأواخر من رمضان بسبب إغلاق الأقصى.
ويقول دعنا خلال اتصال هاتفي مع صحيفة "فلسطين": المواطنون يعيشون حالة حزن كبيرة، نتيجة استمرار إغلاق الأقصى خاصة في العشر الأواخر من رمضان "عشاق الأقصى يبكون، وهم الآن يصلون على الأبواب وكلهم يلجأ إلى الله أن تُفتح أبوابه".
وبصوت حزين يردد "أحجار الأقصى ومنبره وأشجاره يبكون لعدم وجود رواد اعتاد على رؤيتهم طوال شهر رمضان".
ويضيف "الناس تتوق ليوم فتح أبواب الأقصى لإقامة الصلوات والحزن أكبر وأعمق كوننا لم نعتاد أن يُغلق في رمضان"، مشيراً إلى أنه يستقبل قرابة مليوني مواطن طوال شهر رمضان، في حين أن قرابة 400 ألف مصلٍ يقيمون ليلة القدر.
ويستدرك "لكن في رمضان هذا العام، بالكاد تجد 25 مصلياً وهم من الموظفين والأمام وبعض حراس الأقصى"، لافتاً إلى أن شرطة الاحتلال تمنع دخول أي شخص من الدخول للأقصى بحجة فيروس "كورونا".
ويوضح أن غالبية سكان القدس اضطروا لقيام العشر الأواخر في حلقات جماعية في بيوتهم، ملتزمين بالتباعد فيما بينهم وملتزمون بإجراءات السلامة والوقاية.
ويدعو دعنا، إلى فتح أبواب الأقصى والسماح للمصلين بالصلاة فيه، بشرط التباعد بينهم وضمن إجراءات الوقاية والسلامة.
هكذا بدا الحال لدى الشيخ نور الدين الرجبي من سكان البلدة القديمة، الذي انتابه شعور الحسرة والألم بعد الاضطرار لإغلاق المسجد الأقصى وعدم قيام العشر الأواخر من شهر رمضان.
ويقول الرجبي في اتصال هاتفي مع "فلسطين": "نسعى دائما لنحول المحنة إلى منحة، وهذا ما حدث في شهر رمضان هذا العام، حيث أحيينا الصلاة في بيوتنا برفقة أبنائنا".
ويقّص أن "الألم كبير على المقدسيين وكل رواده من الضفة الذين يأتون للتمتع في الأقصى وخاصة في العشر الأواخر من شهر رمضان"، لافتاً إلى أن العام الماضي شهد اكتظاظاً في أعداد المصلين خلال العشر الأواخر وخاصة ليلة القدر.
ويضيف أن "هذه الحالة استثنائية، لكن شعيرة قيام العشر الأواخر قائمة، ويكون إحياؤها في البيوت أو المصليات القريبة في الشقق السكنية، كما صلاة التراويح".
ويستذكر الرجبي أبرز ما يُميز الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان خلال الأعوام السابقة، وهو تواجد الشباب المتطوعين، الذين يسهرون لضبط الأوضاع والمصلين في الأقصى، لمنع الفوضى وفتح الطرقات لمنح سهولة التنقل.
ويوضح أن هؤلاء الشبان كانوا يسهرون على تحضير عشرات الألوف من وجبات السحور للمعتكفين، وخاصة في ليلة القدر، عدا عن التواجد الهائل والحركة البشرية الكبيرة التي تجعل الطابع الإسلامي حاضرا في رمضان.
كما يستحضر مشاهد وأماكن المسعفين والأطباء قرب باب القطانين، حيث يسهرون على راحة وصحة المصلين، مشيداً بحالة التعاون والتعاضد بين المتطوعين على كافة الأصعدة.
ويناشد الرجبي، الجهات المعنية بضرورة لإعادة فتح أبواب الأقصى تدريجياً، ضمن إجراءات السلامة العامة.
ويشار إلى أن مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس قال في بيان أمس، أنه تقرر رفع تعليق دخول المصلين إلى المسجد الأقصى بسبب فيروس كورونا بعد عيد الفطر، مضيفا أنه سيصدر بيانا جديدا يوضح فيه آليات وإجراءات رفع التعليق.