فلسطين أون لاين

من سجن "نفحة".. وصول هدايا "الصفطاوي" استغرق 18 عاماً

...
غزة-يحيى اليعقوبي

18 عامًا، حرمته من أطفاله الصغار، فعاد ليجدهم في ريعان شبابهم لا يعرف أيعاملهم بتلك الطفولة التي حرموا منها ويعوضهم على ما فات، أم يتعامل معهم بمرحلتهم العمرية الكبيرة، فكل شيء كان متغيرا في حياة الأسير المحرر عماد الدين الصفطاوي لحظة الإفراج عنه في نهاية ديسمبر/ كانون أول 2018، إلا ذلك الهاتف الذي كان قد اشتراه لزوجته عام 2000، ليقدمه لها أثناء عودته من سفره، لم يتغير، فتفاصيل الفرحة تلك ظلت مؤجلة كل هذه الفترة.

صادر الاحتلال الهاتف منه لحظة أسره وصادر معه لعبة "عروس" كان قد اشتراها لطفلته "لين"، لا الأم استعملت الهاتف ولا الطفلة وصلتها الهدية التي ظلت هي الأخرى في الأسر، فحتى الجماد لم يسلم ويفلت من سجون الاحتلال، وبعد تحرره قدم الصفطاوي الهاتف – الذي انتهى عمره بين الأجهزة المتطورة – لزوجته، ليبقى شاهدًا على قسوة سجون الاحتلال، وقدم اللعبة لابنته، التي أصبحت شابة وكبرت على لعب الأطفال.

في جعبته ذكريات وقصص لا يمكن أن تغادر وجدانه، يحاول الصفطاوي أن يسترجع بعضا منها، في حواره مع صحيفة "فلسطين" عن ذكريات السجون في شهر رمضان، فيقول: "في رمضان يتم وضع برنامج بين الأسرى على مستوى الغرفة نفسها ،أو على مستوى القسم داخل السجن، نحاول خلق فسحة من الفرحة وسط ذلك العالم المظلم، بتوزيع جوائز، ومسابقات، وهناك لجان "طعام" بين الأسرى في كل غرفة".

"قائمة ممنوعات"

لكن في السجن ليس كل ما تهوى النفس موجود، فقائمة الممنوعات طويلة، يفصل الصفطاوي أكثر بعدما سبقت كلماته ضحكة عفوية: "أحيانا بنخترع الأكل بالسجن"، متابعا: "قد يأتي في بالك أن تأكل "السماقية" لكن ترى الإمكانيات الموجودة في السجن، فتستخدم "الزهرة" بدل "السلق" وهذا ينطبق على العديد من الأكلات، في السجن كان "المسحراتي" يجول بين الغرف لكن بصوت منخفض حتى لا يسمع السجان صوته أو قرقعة الأبواب وأصوات طرق الآنية بالمعلقة".

في الأسر لا يأكل الأسرى من الطعام الذي تعده إدارة سجون الاحتلال كونه غير صالح، فيضطرون لصناعة الطعام على ما يسمى "البلاطة" وهي تعمل بنظام توليد الحرارة، بطيئة نوعا ما مقارنة بغاز الطهي، يعود إلى تلك الذكريات: "في السجن تعيش بمستوى حزن كبير، نظرا لاشتياقك إلى أسرتك، لكن نحاول التكيف بمساندة بعضنا".

يتوقف في حديثه هنا: "كنا نقسم الأدوار والمهام، من يعد الطعام، ومن يقوم بجلي الآواني، وترتيب الغرفة".

في أحد الأعوام، أجريت مسابقة أفضل "شيف" بين الأسرى، بهدف إشاعة جو الفرح والتنافس بينهم، تلك التفاصيل يحفظها الصفطاوي جيدا: "كان كل "شيف" يخرج طبقا من صنع يده لمدة أسبوع، وتعد كل الغرف نفس الطبق مثلا "ملوخية"".

يبتسم وكأن ذكريات السجون دغدغت مشاعره، متذكرا تفاصيل ما كان يجري بعد تلك الابتسامة العابرة على حديثه: "جميل أن يكون لك أصدقاء ويرسلون لك الهدايا إلى غرفتك، من أطباق طعام صنعوها، على صعيدي الشخصي كان يصلني الكثير من الهدايا".

فسحة فرحة

من الأشياء المحزنة في رمضان أن الغرف تغلق الساعة السادسة مساء، ويكون الأسرى أمام وقت طويل في داخل الغرفة نفسها، الكثير من الأجواء الروحانية تقتصر فقط على ثمانية أشخاص، وفي هذا تفاصيل حياة أخرى ينقلنا الصفطاوي إلى داخلها ولكن عبر بوابة الذكريات: "حياتنا في الغرف صعبة، خاصة بعد الإفطار واغلاق السجون، نبدأ قيام ليل الساعة العاشرة ليلا، وأحيانا نشاهد التلفاز فمسموح لنا مشاهدة خمس قنوات منها "مرئية الأقصى".

وفي الصباح تأتي شرطة الاحتلال بشكل يومي وتخرجهم للتفتيش، "ثم نخرج إلى الفورة لمدة ساعة، ونعود للغرف ونخرج مرة ثانية ثم نعود، نحاول أن نعيش جوا خاصا ولا نصطدم مع قوات الاحتلال التي تريد اشعارك أن الكلمة العليا لهم".

في نهاية ديسمبر/ كانون أول 2018م، انتهت مدة محكومية الصفطاوي والبالغة 18 عاما بعد اعتقاله عام 2000م، ترك أولاده الخمسة (ثلاثة ذكور وبنتان) أطفالا صغار، وعاد ليجدهم في ريعان شبابهم، يقول بنبرة صوت تقطر بالحزن: "تركتهم طيلة هذه المدة، وعدت وكان ابنائي الثلاثة قد سافروا للغربة، وبقيت مع بنتي، وجدتهم جميعا قد أصبحوا شبابا، خصوصية استعدتها بعدما كانت مفقودة، ولا أخفي أنني لا أحب الخروج من البيت حتى أجلس مع عائلتي أكبر فترة ممكنة".

لكن الأمر المؤلم بالنسبة له، أنه في كل لقمة يتناولها على مائدة الإفطار يتذكر رفاقه الأسرى في سجون الاحتلال، "لا تستطيع ذاكرتي تجاهل طيلة السنوات التي عشتها في الأسر، مرت الكثير من المواقف والأحداث، لا يمكن نسيانها، جلساتنا بداخل الغرف، الاضرابات، الأسرى، الصلوات الجماعية، كلها مرحلة لا يمكن تجاهلها".