قائمة الموقع

في الغياب الرابع.. رمضان يجدد ذكرى أسر "الحلبي"

2020-05-16T17:00:00+03:00

يبحث الطفل فارس (خمسة أعوام) باستمرار عن والده في أنحاء البيت لكنه لا يجد إلا صورة تلبي نداءه المتكرر الذي لا ينقطع: "وين بابا؟"، معلقة على أحد جدران صالة استقبال الضيوف، يحدثها كل يوم ببراءة وعفوية ويتوعدها بالحرية: "بدي أجيب المفتاح عشان أطلعك من السجن"، ثم يكرر السؤال على أمه: "يا الله أنا مش فاهم ليش اليهود حبسوا بابا.. وهو إيش عمللهم؟".

فارس ابن الأسير محمد الحلبي (42 عامًا) أسر الاحتلال والده قبل أربعة أعوام وهو لا يتجاوز عامًا وثلاثة أشهر، كبر وكبر تعلقه بوالده، وأسئلته "مرعبة" بالنسبة لأمه التي تخشى أن يكون هناك حكم قادم بسجن والده لسنين طويلة بعد أكثر من 135 جلسة محاكمة، قد تحرم أطفاله من حنان فقدوه منذ أربع سنين.

تقول والدته علا الحلبي لصحيفة "فلسطين" والألم يعتصر كلامها: "أحزن حينما أسمع ابني فارسًا يحدث الأطفال الصغار خلال اللعب معهم: "نيالك أنت أبو عندك بس أنا بابا محبوس" (...) صعب علي أن أسمع الكلام خاصة أنه يوميًّا يحدث صورة والده وكل يوم يزيد تعلقه به، أسمع دعاءه لوالده: "يا رب يرجع بابا بالسلامة وأنا في صف البستان"، يتمنى أن يخرج والده وهو في الروضة".

ولدى الحلبي أربعة أولاد وبنت هم: خليل (16 عامًا)، وعاصم (14 عامًا)، وعمر (11 أعوام) وفارس (5 أعوام)، وريتال (7 أعوام)، يكبرون وتمر المناسبات عليهم؛ الأعياد والأفراح يحتاجون فيها لوالدهم لكنه مغيب خلف قضبان الاحتلال، يتجرع مرارة الأسر تمامًا كما يتجرعون هم مرارة الشوق والحنين إلى حضنه ووجوده بقربهم، وها هو يمر الرمضان الرابع في غيابه عنهم.

الجرح يتجدد

لا يجدد رمضان الغياب، بل يجدد ذكرى الاعتقال الذي جرى في نفس الشهر في 15 يونيو/ حزيران 2016 خرج الحلبي بحكم عمله إلى الضفة الغربية المحتلة وهو بالعادة يتردد أسبوعيًّا بين الضفة وغزة، لكن في ذلك اليوم وهو عائد من عمله حجزه الاحتلال عند حاجز بيت حانون (إيرز) وبدأت رحلته مع الأسر وانقطع تواصله مع زوجته وأولاده سوى من بعض الزيارات التي يسمح الاحتلال لأولاده بها.

والحلبي درس الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية بغزة وأكمل دراسته العليا "الماجستير" بنفس التخصص، يعمل مديرًا لفرع مؤسسة الرؤيا العالمية في قطاع غزة، وأسره الاحتلال على عمله الإغاثي.

"غياب رب الأسرة عن البيت صعب جدًّا في الأيام العادية وأصعب في المناسبات سواء السعيدة أو الحزينة، وغيابه بالنسبة لنا طال كثيرًا، أربع سنوات نفتقده في كل لحظة وفي كل تفاصيل حياتنا".. بهذه الكلمات التي خرجت من قاع الألم تبوح زوجته عما يسكن قلوب عائلة الحلبي.

ما زالت تبوح بتلك التفاصيل التي تسكن حياتهم: "نجلس على مائدة الإفطار بحزن وألم، أنا وأطفالي نكون متأثرين بأن الآباء يجلسون مع أولادهم وزوجي ليس موجودًا، وما زلنا نعيش على أمل أن يفرج عنه".

ذكريات رمضانية

لكن هناك تفاصيل أكثر للفقد تحدث داخل جدران منزل العائلة، تنقلك إلى كواليسها: "كل يوم الأولاد يتذكرون والدهم، هذا يتذكر الطعام المفضل لوالده، وذاك يتذكر ما كان يطلبه والده منه، يتذكرونه حينما كان يأخذهم معه قبل الإفطار لشراء أغراض، ثم الإفطار والذهاب لصلاة التراويح، وبعدها يأخذهم إلى مكان ويسهرون في جلسة عائلية".

تجوب ذكرياته في رمضان وجدانها: "كنا نتسابق على قراءة القرآن، وكانت قمة سعادته حينما يخرج الصدقات للمحتاجين ويحث أولاده على ذلك ويجعلهم بأنفسهم يعطونها للفقراء والمحتاجين، ويشجعهم على الصلاة وقراءة القرآن ويحفزهم بمكافأة مالية، وحتى وهو في الأسر في كل زيارة يسألهم إلى أين وصلوا في القرآن حتى يعطيهم الهدية بعد تحرره".

والأسير الحلبي موجود حاليًّا في سجن ريمون يتعرض -كما تقول زوجته- للإهمال الطبي نتيجة التعذيب، فأصبحت لديه مشكلات في السمع دون تقديم علاج له، سوى حبة "الأكامول" ولا أي إجراءات وقائية من فيروس كورونا، معلقة على محاكمته: "تعرض زوجي لـ135 محكمة، وكل محاكمة غير عادلة يواجه أطول محاكمة في تاريخ الحركة الأسيرة، وكان يفترض أن تعقد له جلسة محاكمة بتاريخ 24 إبريل/ نيسان الجاري و3 مايو/ أيار القادم، لكن -للأسف- ألغاها الاحتلال بحجة الطوارئ وأزمة فيروس كورونا".

"دولة الاحتلال لا يخرج منها سوى الظلم، قدمنا كل الأدلة من خلال طاقم الدفاع وثبتت براءته، لكن الاحتلال مصمم على أن يخرج بإدانة ويعترف على شيء لم يفعله (...) لا يوجد تواصل بيننا إلا عن طريق الزيارة والمحامي ومنذ أربعة أشهر لم يزُره الأولاد ولا ندري متى سيسمح لنا بزيارته" بها تختم حديثها.

اخبار ذات صلة