قائمة الموقع

"السوق نازل".. فرحة أطفال في رمضان

2020-05-12T16:46:00+03:00

قبل ما يقارب ثلاثين عامًا كان الأطفال ينتظرون على أحر من الجمر سماع صوت الطلقات السبع من المدفع ليؤكدوا ثبوت هلال رمضان، ليتمكنوا من ممارسة طقوس "السوق نازل"، وهي عادة معروفة عند أهل مدينة نابلس، وبعد ثبوته يعود كل طفل لأهله ليطلب "خُرجية" رمضان، وهو مبلغ إضافي على المصروف اليومي ليتمكن من شراء ما يريده خلال ذهابه إلى السوق نازل.

طاهر باكير من نابلس، كان يذهب وهو طفل برفقة أقرانه إلى السوق نازل، وكان كبار المدينة يقدمون لهم الهدايا والحلويات والمال عطية لقدوم شهر رمضان المبارك، حتى تصل مسيرة الأطفال عند باب الساحة بالسوق عند جامع النصر.

يقول باكير لصحيفة "فلسطين": "يخرج الأطفال من بيوتهم بلا تخطيط، يهرولون باتجاه البلدة القديمة على السوق نازل، لا نتوقف إلا عند الوصول إلى المكان، وكنا نحمل بأيدينا قناديل، ونشتري المكسرات بالتعاريف".

وقد أوجدت عادة السوق نازل علاقة حميمية بين الأطفال والعتمة، والفضل يعود لرمضان، فقد كانوا يخافون من أساطير "الغولة والضبع، وحرامية الأولاد"، فكانوا يضطرون قبل إسدال الظلام ستاره أن يكونوا في البيت، ولكن مع قدوم رمضان تتلاشى مخاوفهم، إذ كانوا يخرجون ليلًا ويتجاوزون حدود حارتهم إلى الحارة المجاورة باتجاه مركز المدينة، ومن هناك يتسللون إلى البلدة القديمة وهم يحملون الفوانيس المصنوعة يدويًّا من علب الحليب والسمنة، وبداخلها شمعة ومربوط بطرفي العلبة سلك لتتدلى منه، ليتمكنوا من حملها.

يضيف باكير: "وكل طفل يحمل بيده تعريفة أو قرشًا وفي أحسن الأحوال 3 تعاريف، وهنا لا يتوقف المصروف على الأب وإنما الجد والأعمام، وعندما نصل إلى السوق نازل نحار ماذا نفعل نلعب على الألعاب أم نشتري شعر البنات والسحلب والبليلة والملبس حامض على حلو، والبوشار والترمس وغيرها".

ولا يقتصر السوق نازل على سن معينة، أطفال أو شباب، ولا ذكور أو إناث، وكان الأطفال يحفظون مدائح خاصة بالسوق نازل، يردّدونها خلال مسيرهم وهم يمسك بعضهم أيادي بعض، أشهرها: "نزلت عالسوق نازل.. لقيتلي تفاحة.. حمرا حمرا لفّاحة.. حلِفت ما باكلْهي، لييجي خيّي وبيّي.. إجا خيّي وبيّي...".

ويكملون طريقهم واحد يشتري شعر بنات، وثان ملبسًا وثالث نعومة وهو نوع من الحلوى، ويطعم الأطفال بعضهم بعضًا، ويرى باكير أن هذا نوع من الألفة والبركة والمحبة التي هي أصل الحكاية بين العائلات، وهو كان من عائلة ميسورة الحال نسبيًّا لكون والده يعمل تاجرًا، لكنه كان يعيش حياة الفقر، حتى لا يكون مختلفًا عن الأطفال الباقين، ويستمرون حتى يصلوا إلى باب الساحة ويستمعوا إلى حكاية "كركوظ وعواظ" أو خيال الظل.

يتابع: "أما التجار في السوق نازل فكانت نفسيتهم طيبة، فعندما نمر من أمام بائع الحلويات، تتقدم أكبر فتاة في المسيرة وتنادي: "يا بنياتي، يا بنياتي"، ونرد عليها: "نعم يامو، نعم يامو"، "لأجوزكم لأجوزكم"، "لمن يامو لمن يامو؟"، فإذا كنا عند باب محل الحلو يقدم المْلَبَّس أو الحلو"، ويعودون إلى بيوتهم محملين بالحلويات فرحين بالهدايا التي حصلوا عليها، و"الحواجة" التي جمعوها، وهي عبارة عن كيس قماشي صغير يعلق في عنق الطفل ويتحوجون فيه بمختلف المأكولات من حلويات ومكسرات.

ويختم باكير: "مدينة نابلس لا تزال لليوم تحتفظ بعاداتها وتقاليدها، خاصة أنها من أقدم المدن في العالم، ونابلس إن مشيت بزقاقها حاراتها من همس جدرانها تكتب حكاياتها".

 

اخبار ذات صلة