قائمة الموقع

رمضان "فيروز".. "البقشيش" والإنصات لمدفع الإفطار

2020-05-12T16:42:00+03:00

قبيل موعد ضرب مدفع الإفطار كانت تركض فيروز سليم حاملة كيسًا من القماش حاكته والدتها، به بعض التمرات والقطين (التين المجفف) والمسليات، نحو حائط بلدية غزة، مع أطفال حارتها بني عامر في حي الدرج، ينصتون لسماع صوت المدفع.

بمجرد إطلاق المدفع كانت تضع فيروز يدها في كيسها تخرج تمرًا تكسر به صيامها، وهي تركض عائدة إلى بيتها لتتناول طعام الإفطار مع والديها وأخويها.

كانت تنهي فيروز (68 عامًا) إفطارها وكلها شوق لحمل فانوسها الصفيح (علبة حليب تحدث بها ثقوبًا بمسمار وتثبت في منتصفها شمعة)، لينير لها طريقها نحو بائعي البليلة والترمس، وقطع الذرة الطازجة في سوق الزاوية، تشتري بالنقود التي كانت تجمعها طوال النهار.

عادة جميلة اندثرت في زمننا هذا، كانت سليم تمارسها مع أطفال حارتها، يطرقون أبواب البيوت وهم يحملون فوانيس الصفيح المنارة بالشمع، ليحثوا أصحابها على منحهم إكرامية بترديد: "حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو.. حل الكيس وأعطينا بقشيش يا حالو".

يأخذون البقشيش متجهين نحو منطقة جامع "السيد هاشم" التي كانت تنار في كل الليالي الرمضانية بقناديل الكاز، لتستقبل الأطفال الذين كانوا يلهون على الأراجيح المنتشرة بين جنباتها، وكانت مصنوعة من الحبال والخشب، مطلقين العنان لضحكاتهم وأصوات غنائهم بـ: "طيري وهدي يا وزة ع بلاد غزة يا وزة".

فقريبًا كان بيت فيروز من سوق الزاوية التي كانت تتركز فيها الأجواء الرمضانية، حيث أصحاب المحال التجارية يزينون أبوابها بحبال الأضواء والأوراق الملونة.

بعد أن تنتهي ربات البيوت من غسل مواعين وجبة الإفطار، يبدأن في التوافد على بيت إحدى الجارات في الحارة، حيث كن يتناوبن في يوم "الاستقبال"، ويتجمع الرجال في بيت كبير العائلة، أو ديوانها، وفقًا لحديث سليم.

تفاؤلًا بسنة "كعبها أخضر" كانت والدة فيروز تصنع الملوخية في أول يوم رمضاني، وتصنع "اللموناضة"، أما هي فكانت بعد أذان العصر تتجه نحو باعة الخروب والعرق سوس والتمر هندي الذين كانوا ينتشرون في سوق الزاوية.

الولائم الرمضانية كانت العائلات تقيمها باستمرار "للولايا" من البنات والعمات والخالات، وكانت تقوم على الأكلات الشعبية المفتول، أو أرز القدر، أو الفتة بالدجاج البلدي، ولا غنى عن حلوى المطبق المحشو بالجوز واللوز وجوز الهند والسكر والمشرب بالقطر، دون نسيان القطائف المحشوة بالحشوة ذاتها، إضافة إلى زيارات صلة الرحم لهن.

كانت معظم بيوت الحارة تأكل من الطعام ذاته، بفضل عادة الصحن الدوار، إذ كانت النسوة يسكبن صحنًا من فطورهن ويوزعنه على جاراتهن، وهكذا يتبادلن الطعام طوال شهر رمضان الفضيل.

بساطة الحياة قبل 60 عامًا كانت تمنح الأجواء الرمضانية مذاقًا محببًا إلى قلب فيروز، التي تفتقد لمة الجارات ومحبة بعضهن لبعض، وأجواء لمة العائلة الممتدة على مائدة إفطار واحدة يوميًّا، فاليوم تمضي معظم أيامها الرمضانية وحدها في البيت بعد وفاة والديها وأخيها، والتهاء الجيران والأقارب في هموم حياتهم وضغوطاتهم الاقتصادية الصعبة.

 

اخبار ذات صلة