إغلاق بعض البنوك العاملة في فلسطين حسابات الأسرى والشهداء رضوخاً لقرار الحاكم العسكري الصهيوني جريمة تستهدف قلاع الصمود الوطني, وخيانة لتضحيات الأسرى والشهداء, وطعنة غدر لعائلات الأسرى والشهداء ولمن خلفهم من نساء وأطفال, كيف لفلسطيني أن يقوى على اتخاذ هكذا قرار يحارب الناس في أرزاقهم؟ كيف لا ترتعش أيديهم وهم ينفذون أجندة العدو الخبيثة في قمع الأسرى ومعاقبة عوائلهم؟!
مقولة "رأس المال جبان" يرددها البعض للهروب من الالتزامات الوطنية ومن المساهمة في معركة التحرير. الحقيقة المرة أن هذه الأموال المكدسة في البنوك لا تدار لمصلحة شعبنا وقضيته, فإن لم تُشكل البنوك سداً منيعاً يحفظ شعبنا وقضيته أو تتبنى دوراً حقيقياً في معركة شعبنا ضد الاحتلال الغاشم, فلا حاجة لنا بهذه المنظومة الطفيلية التي تمتص الجسد الفلسطيني المنهك, وتضعه في دائرة حصار الفائدة الربوية الظالمة, ولذلك من الضروري إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية الفلسطينية بما يتوافق مع مصالح شعبنا الفلسطيني وفي مقدمتها دعم صموده وإسناد نضاله ضد الاحتلال.
ليست المرة الأولى التي تنحاز فيها المنظومة البنكية في فلسطين لقرارات وتوجيهات أعداء شعبنا الفلسطيني, فلا تغيب عن ذاكرتنا مؤامرة الحصار المالي للحكومة الفلسطينية العاشرة, ورفضها استقبال الأموال المحولة للحكومة في مرات عديدة, وعندما نجحت الحكومة في إدخال الأموال عن طريق البنوك, قامت هذه البنوك مجتمعة بخصومات كبيرة وعمدت على اقتطاع أجزاء كبيرة من المبلغ المحول كسداد دين مترتب على الحكومة التاسعة, ما أفقد الحكومة قدرتها على التعامل مع النفقات والرواتب, كما أغلقت البنوك باب الاقتراض أمام الحكومة الفلسطينية العاشرة, فلم تحاول أن تكون تلك المنظومة الطفيلية عونا للحكومة المنتخبة بإرادة شعبية فلسطينية حرة, بل ساهمت في مخطط إسقاط الحكومة وإفشالها.
جريمة شطب حسابات الأسرى والشهداء تكشف لنا حقيقة الوهم الكبير لمسميات "السلطة والحكومة" والتبهرج الكاذب بالمؤتمرات الصحفية حول السيادة الوطنية والقرار الوطني المستقل, ويتضح جلياً أن من يحكم الضفة المحتلة هو جنرال الإدارة المدنية, الذي وسع من صلاحياته وتدخلاته في الشأن الفلسطيني والأمور الحياتية على عين السلطة وحكومتها, التي لم تحرك ساكناً لمواجهة هذا النفوذ الخبيث لجنرالات الإدارة المدنية الصهيونية, ومن الجيد أن تعي المنظومة البنكية في فلسطين أن السيادة على الأرض للفلسطيني, ومن يمنحها الأمن لتمارس أعمالها هي الإرادة الشعبية الفلسطينية, وإذا رفعت الجماهير القبول والرضا عن وجودكم على الأرض, سيكون من الصعب عليكم العمل, ولن يستطيع الحاكم العسكري الصهيوني أن يمنحكم دقيقة أمن.
ولعل من واجب السلطة في رام الله أن تدافع عما تبقى لها من سلطة قرار على البنوك العاملة الواقعة تحت رقابتها الإدارية عبر سلطة النقد الفلسطينية, وأن تلزمها بموجب قرار رسمي بعد الاقتراب من الحسابات البنكية للأسرى والمحررين وعوائل الشهداء, فهي حسابات لها حصانتها المجبولة بتضحيات أصحابها الأبطال, فليس بمثل هذا النكران والعدوان تعامل الشعوب الحرة أبطالها.
المطلوب اليوم أن تعتذر البنوك التي أقدمت على شطب حسابات أبطال شعبنا من أسرى ومحررين وشهداء وتتأسف على هذا الإجراء التعسفي وتلتزم بعدم تكراره تحت أي ذريعة, وعلى البنوك العاملة في فلسطين إعلان هويتها الوطنية بلا مواربة, وأن تؤكد التزامها المبدئي الذي لا يتغير أو يتبدل في إسناد مشروعنا الفلسطيني التحرري والمشاركة الفاعلة في إحباط مخططات الاحتلال, وأن تعلي رفضها الإملاءات الخارجية الصادرة من أعداء شعبنا الفلسطيني وفي مقدمتهم العدو الصهيوني.