يتناوب نحو 250 حارساً، غالبيتهم من الشبان، على ضمان الأمن في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، على مدار الساعة.
وسلّط حادث اعتقال شرطة الاحتلال الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة لـ 11 من حراس المسجد، بعد اعتراضهم على محاولة موظف في سلطة الآثار الإسرائيلية (حكومية) أخذ حجر من داخل ساحاته، الضوء على هذه الفئة التي تعد حصن الدفاع الأخير عن المسجد، تجاه تدخلات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة.
وبحسب "الأوقاف الإسلامية" بالقدس، فإن شرطة الاحتلال اعتقلت منذ بداية العام الجاري 13 حارساً، وأبعدت 11 منهم عن المسجد، لفترات مختلفة، مع دفع غرامات مالية.
وتمت آخر عملية إبعاد، أمس، حيث اشترطت شرطة الاحتلال الإسرائيلي إبعاد 5 حراس، لمدة أسبوع، مقابل الإفراج عنهم.
ولا تخفي دولة الاحتلال الإسرائيلي، سعيها لإيجاد موطئ قدم داخل المسجد، حيث تسعى إلى تقسيمه زمانياً ومكانياً، بين المسلمين واليهود.
ويقول حراس وموظفون في المسجد، إن الأوضاع ازدادت صعوبة في السنوات الأخيرة، مع تصاعد محاولات حكومة الاحتلال الإسرائيلي لإيجاد موطئ قدم لها فيه.
فإضافة إلى ضمان عدم تسلل متطرفين إسرائيليين لاستهداف المسجد والمصلين فيه، فإنه يقع على عاتق الحراس التأكد من عدم أداء مستوطنين يقتحمون المسجد، طقوساً دينية يهودية.
ولكن تصاعد أعداد المقتحمين الإسرائيليين، بحراسة عناصر شرطة الاحتلال الإسرائيلي، بالتزامن مع محاولات الشرطة نزع صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية، يفاقم من صعوبة الأوضاع بالنسبة للحراس.
ورسمياً، فإن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، هي المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد بما في ذلك تعيين الحراس وصرف رواتبهم.
وقال فراس الدبس، مسؤول دائرة الإعلام في دائرة الأوقاف الإسلامية:" هناك قرابة 250 حارساً في المسجد يتولون، ضمن 3 مناوبات صباحية وبعد الظهر ومسائية، المسؤولية عن الأمن في المسجد الأقصى ومرافقه على مدار الساعة كل أيام الأسبوع وطوال السنة ".
وأضاف:" المسؤولية التي تقع على عاتق الحراس هي أمن المسجد الأقصى والمصلين فيه، وأمن المؤسسات التابعة للأوقاف في المسجد ومحيطه، والتأكد من عدم قيام أي شخص أو جهة بالمس بحرمته".
وتابع الدبس:" منذ العام 2003 حينما قامت شرطة الاحتلال الإسرائيلي ومن طرف واحد بالسماح للمتطرفين اليهود باقتحام المسجد الأقصى من خلال باب المغاربة (في الجدار الغربي للمسجد) زادت مسؤولية الحراس وذلك بالتأكد من عدم قيام هؤلاء المتطرفين بمحاولة أداء طقوس دينية يهودية".
وطبقاً للمعطيات الصادرة عن دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، فإن ما يزيد عن 12 ألف مستوطن إسرائيلي اقتحموا المسجد الأقصى سنوياً.
وتتم الاقتحامات بتسهيل من شرطة الاحتلال الإسرائيلي التي ترافق المتطرفين خلال اقتحاماتهم التي تتواصل على مدار أيام الأسبوع، ما عدا أيام الجمعة والسبت.
وقال الدبس:" عناصر شرطة الاحتلال الإسرائيلي هم المسبب الأكبر لمعاناة حراس المسجد فهم يعتدون عليهم بالضرب ويعتقلونهم ويبعدونهم عن المسجد الأقصى في حال حاولوا منع المتطرفين من أداء طقوس دينية".
وأضاف:" الحراس هم رجال أمن، ولكن غير مسلحين إلا بسلاح الإيمان والدفاع عن المسجد الأقصى، خلافاً لشرطة الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح".
وتابع الدبس:" الحراس يتابعون عن كثب المتطرفين، ويتدخلون في حال أي محاولة لتدنيس المسجد".
وطبقاً لما يعرف باسم "الوضع القائم"، الذي بدأ في العهد العثماني واستمر خلال الانتداب البريطاني والحكم الأردني وحتى العام 2000، حينما اقتحم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون المسجد، فإن الأوقاف الإسلامية هي المسؤولة عن إدارة شؤونه.
وللمسجد الأقصى 10 أبواب مفتوحة، من بينها باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد، الذي استولت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على مفتاحه عام 1967، وترفض منذ ذلك الحين مطالب الأوقاف المتكررة بإعادته.
ويشير أحد حراس المسجد الأقصى، إلى أن المسؤولية الأساسية والمُفترضة للحراس، هي ضمان الأمن داخل المسجد، في حين تتولى شرطة الاحتلال المسؤولية خارج أبوابه.
لكنه أشار إلى أن شرطة الاحتلال لا تلتزم بهذا الأمر حيث تتدخل كثيراً في شؤون المسجد الداخلية.
وقال الحارس الذي رفض الكشف عن هويته، (كونه غير مخوّل بالحديث لوسائل لإعلام) :" عناصر الشرطة لا يلتزمون أماكنهم خارج البوابات، وانما يتدخلون من خلال منع مصلين من الدخول أو احتجاز هويات بعض المصلين الشبان، كما أنهم يرافقون المتطرفين خلال اقتحامهم للمسجد ويمنعون موظفي الأوقاف من إدخال مواد الترميم".
وتابع الذي يعمل داخل المسجد منذ 31 عاماً:" حينما يمنعون أحد المصلين من الدخول مثلاً، فإننا نتدخل، ولكنهم عادة ما يردون بضربنا أو اعتقالنا بتهمة عرقلة عمل الشرطة".
وقال:" الواضح من خلال تصرفات الشرطة أن هناك محاولة محمومة لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى، يتمثل بنزع صلاحيات الأوقاف الإسلامية وهو أمر مرفوض".
ويشير حارس آخر، إلى أن عمل الحراسة في المسجد الأقصى، ممتع، رغم صعوبته.
ويقول الحارس الذي فضل أيضاً عدم الكشف عن هويته (كونه غير مخوّل بالحديث لوسائل لإعلام) :" العمل ممتع، لأنها فرصة لأن تؤدي الصلوات في المسجد الأقصى، وتقرأ القرآن، وأيضاً تشعر أنك تقوم بمهمة الدفاع عن المسجد الأقصى نيابة عن مليار ونصف المليار مسلم في العالم".
وأضاف:" حتى العمل في ساعات الليل، والذي يتطلب الحذر الشديد خشية قيام متطرفين باستهداف المسجد، فإنك تشعر بأهمية العمل الذي تقوم به وأنت تقوم بأعمال الدورية في ساحات المسجد وعلى أبوابه وقرب أسواره"
ولكنه استدرك:" في ذات الوقت، هو صعب، لأنك من ناحية ترى المتطرفين يقتحمون المسجد دون أن تتمكن من فعل الكثير (..) أنت ترى بعينك الشرطة وهم يقتحمون المسجد ليل نهار، ويحاولون التصرف وكأنهم أصحاب البيت، وهذا بطبيعة الحال مرفوض بالكامل من قبلنا".
ووصف الحارس السنوات الأخيرة بأنها الأصعب خلال مسيرة عملهم، وقال:" السنوات الأخيرة الماضية هي الأصعب على الإطلاق، حيث يتم اعتقال حراس وإبعاد بعضهم من المسجد".
وفي هذا الصدد يشير الدبس، الذي تم إبعاده العام الماضي مدة 6 أشهر عن المسجد، بقرار من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، رغم أنه يقوم بمهمة الإعلام، إلى أنه منذ بداية العام الجاري تم اعتقال 13 حارساً، وإبعاد 11 آخرين عن المسجد لمدة أيام مع دفع غرامات مالية.
وقال الدبس:" عادة ما تزداد الانتهاكات الإسرائيلية مع اقتراب فترة الأعياد اليهودية في محاولة لردع الحراس عن صد انتهاكات المتطرفين" .
بدوره يستنكر الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، تزايد الاعتداءات على حراس المسجد، بالتزامن مع تصاعد عمليات اقتحامات الاحتلال الإسرائيلي له.
وقال صبري، الذي يشغل منصب "رئيس الهيئة الإسلامية العليا" بالقدس:" ما يجري من اعتداءات هو أمر خطير وغير مسبوق، ونحن نحمّل حكومة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن المس بالمسجد الأقصى، ونستنكر ما تقوم به شرطة الاحتلال الإسرائيلي من اعتقال لحراسه وإبعادهم عنه".
وأضاف الشيخ صبري:" ليكن معلوماً للقاصي والداني، إن هذه الإجراءات لن تعطي الإسرائيليين أي حق في المسجد الأقصى فهو للمسلمين وحدهم".