تم الحديث خلال الأشهر الأخيرة عن وضع ما يعرف بقواعد للاشتباك بين المقاومة والاحتلال بعد الحرب الأخيرة على غزة في تموز 2014، تم خلالها صياغة ما أُطلق عليه اتفاقا ضمنيا بين الجانبين يقوم على حفاظ كل من الطرفين على الهدوء في المنطقة الجنوبية ويحقق مصالح الطرفين وهنا الحديث عن وقف اعتداءات الاحتلال وكذلك عدم مبادرة المقاومة بأي فعل مقاوم.
وحافظ الجانبان على قواعد اللعبة مع بعض الخروقات من قبل الاحتلال بدعوى إطلاق صواريخ من غزة واحتفظت المقاومة بضبط النفس منعا للإخلال بقواعد الاشتباك، والمصالحة كانت لدى المقاومة بتعزيز قوتها ووقف أي نزيف لقدراتها البشرية والمادية والتركيز على الإمداد والإعداد في مرحلة لا تقل أهمية عن المواجهة.
بنفس الوقت كان يدور صراع خفي بين الجانبين في ساحات مختلفة أهمها ساحة الضفة الغربية وحفر الأنفاق والمواجهة الاستخباراتية التي بلغت ذروتها بعمليات اختراق لأجهزة الحواسيب لضباط وجنود الاحتلال.
الاختراق الأكبر كان يوم الجمعة الماضية، والذي يمكن القول إنه إطلاق صفارة الحرب، وهو جريمة الاغتيال التي قام بها جهاز الشاباك الإسرائيلي بالقرب من ساحل غزة وفي قلب غزة ضد الأسير المحرر مازن فقها الذي يقود عملية الإعداد للبنية التحتية لكتائب القسام في الضفة الغربية في مواجهة عمليات جز العشب التي يشنها الاحتلال هناك.
عملية الاغتيال المعقدة، بواسطة قاتل محترف أطلق أربع رصاصات من مسدس كاتم للصوت، هو فتح الباب على مصراعيه أمام المواجهة المقبلة، والحديث عن القيام بعملية معقدة استهدفت الإخلال بقواعد الصراع في هذه المرحلة واختراق ساحة حماس الأكبر وما يمكن أن يعد أكبر عملية اختراق للأمن في قطاع غزة على مدار العقد الأخير.
لجأ الاحتلال لذلك في سياق تحقيق انتصار لحظي على خصم قوي عنيد صنديد قوي الشكيمة لا ينام الليل في سبيل تعزيز قوة المقاومة في الضفة بل لا يدع ضباط المخابرات الصهاينة ينامون في الضفة الغربية وهم يبحثون عن أصابع للشهيد فقها هناك وهو يلعب في حديقتهم الخلفية بكل مهارة وشجاعة.
أراد الاحتلال أن يذل حماس باختراق منظومتها الأمنية بل زعزعة كافة المحررين في صفقة وفاء الأحرار وبينهم القائد الجديد لحماس في غزة يحيى السنوار الذي دخل في حالة تحدٍ مع الاحتلال منذ اللحظة الأولى وجاءت العملية للتأكيد على حتمية المواجهة.
خلف عملية الاغتيال هناك صراع استخباراتي شديد وتفاصيل صاعقة حول ما حدث تثبت أن المقاومة لديها من القدرة على الوصول لمن ساعد في تنفيذ العملية أو تابع أو راقب أو وفر الغطاء لتنفيذ الجريمة.
صراع الأدمغة لم يعد استخباراتيا فقط بل القدرة على إدارة الصراع حيث غدر الاحتلال بتنفيذ الاغتيال وتنفيذ عمليات تمويه وتضليل واسعة، وحماس أعلنت بلا مجال للشك أنها قبلت التحدي وسترد على الجريمة التي يبدو أن حماس اتخذت القرار بالرد ولم يبق لها سوى التنفيذ ولو ذهبت تجاه مواجهة أعلى من التصعيد وأقل من الحرب تعيد فيها قواعد المواجهة وتلقن الاحتلال درسا.
أخرجت حماس من الدرج سبل الرد وجهزت الاحتمالات بما يضمن معاقبة الاحتلال على جريمته وهي هنا تضمن عدم تكرارها وحقن مزيد من الدماء وتنفيذ الاغتيالات وهو خلاف ما يرغب به الاحتلال بتطبيق معادلة الاغتيال الهادئ.
ستحرص حماس ألا تذهب لحرب واسعة لكن لن تتردد فيها في حال رد الاحتلال بعدوان واسع، وهنا لن يكون أمام حماس سوى المواجهة ولديها المبرر الوطني والإنساني والأخلاقي المشروع للمواجهة بخلاف ما أراد الاحتلال بأن يستهدف قيادتها وتبقى صامتة أو تمررها تحت مبررات عدم وقوع حرب وهي معادلة لا يستطيع الاحتلال أن يتحكم بها.
بدأ صراع الأدمغة الحقيقي في أعلى السلم القيادي بين قادة القسام وقادة الأجهزة الامنية لدى الاحتلال يحقق للمقاومة سياسة العقاب والردع.