يتسابق النظام الرسمي العربي نحو التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ويبذل في سبيل ذلك جهدًا كبيرًا، وتعد برامج مختلفة في هذا السياق لنقل العلاقات من مستواها العدائي إلى شكل آخر يتسم بالحميمية وإقامة روابط قوية تتطور إلى حلف مشترك لمواجهة ما يسمونه بالمخاطر ضد المصالح المشتركة.
فيا ترى ما هذه المخاطر؟ وكيف تكون مصالح مشتركة بين العرب وكيان غاصب؟ وما الذي يدفع العرب لهذه الوقاحة المفرطة دون الاعتبار لشعبنا وتضحياته؟ بلا أدنى شك فإن النظام العالمي استطاع ترتيب ما يسمى بـ(الاصطفافات الدولية) أو ما عرف في سياقات أخرى بالتحالفات، وفي إطار ذلك رسمت الولايات المتحدة الامريكية وبمساعدة حلفائها دور الدول في منطقة الشرق الأوسط، بل وأملت عليهم الالتزام بسياسات خاصة تخدم النظام الأمريكي وتضمن مصالحه في المنطقة.
فكان ضمن الأدوار المطلوبة ضرورة التقارب مع (إسرائيل) كونها الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، ليس هذا فحسب بل وتبني وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والإيراني ضمن القضايا المشتركة، بمعنى محاولة إزاحة الملف الفلسطيني من المشهد وإلقاء هذا العبء عن ظهور العرب والقبول بأي تسوية أو صفقة ترتضيها (إسرائيل).
وفي ذات الوقت رفع مستوى القطيعة مع إيران والبدء بتفعيل خطوات لعزلها والتضييق عليها وعلى حلفائها في المنطقة، على اعتبار أن إيران تشكل خطرًا إستراتيجيًّا ضد دول الخليج ولها أطماع توسعية وتدعم حركات مناهضة للنظام العربي وهي في حالة عداء مع (إسرائيل) هذا من المنظور الأمريكي، ويدرك العرب أن أي محاولة للتحرر من الركب الأمريكي الإسرائيلي ربما يكون ثمنه قاسيا، فعلى الأقل قد يغامر أحدهم بعرشه الملكي فيصبح طريدا بين عشية وضحاها، وتحت هذه الذرائع والمسوغات يجد بعض العرب نفسه مستسلما لهذا الخيار.
وحتى على الأقل لا يجد أحدهم حرجا في ذلك أمام شعبه، وربما يبرر مواقفه بأنها تأتي في سياق دعم جهود السلطة الفلسطينية في إحلال السلام، فحينما يجدون رئيس السلطة يجري مشاورات أمنية مع قادة مخابرات الاحتلال، ويرسل وزراءه للتباحث، ويفتح أبواب الرئاسة للوفود الاسرائيلية، ولا يتوقف عن مشاطرتهم في المناسبات الشخصية والوطنية، ويقدس العلاقة مع الإسرائيليين ويجرم أي مواجهة مسلحة أو شعبية مع الجنود وقطعان المستوطنين.
وفي ذات الوقت يطارد عناصر حماس والجهاد، ومؤخرا الجبهة الشعبية، وبعض من كوادر فتح، استجابة لمتطلبات (التنسيق الأمني) والذي يتيح تبادل المعلومات والانذارات الساخنة مع السلطة حول نشاط المقاومين، والتي بدورها لا تدخر جهدًا في تنفيذ هجماتها الليلية على أبطال الضفة كي ينعم الإسرائيلي بالهدوء ويعيش الكيان في حالة استقرار.
وقد تم تقليم أظافر الثوار وتهشيم فوهات البنادق وتغييب العيون الثائرة عن أهدافها التي تتجهز إليها، أمام كل ذلك فإن هذه السياسات مثلت الخطوة الأولى لدفع العرب للهرولة نحو التطبيع، بل ورفعت الحرج عنهم، بعد أن قام عباس وفريقه بفتح الباب وكسر عنق المقاومة في الضفة التي تنتظر على موعد مع كارثة قريبة يسعى الاحتلال لتنفيذها، وهي محاولة ضم أجزاء من الضفة، والمفارقة العجيبة أن السلطة تدعي الجهوزية لرفع كلفة الاشتباك في مواجهة ذلك، لكنها عمليا تفتت عوامل القوة وتفرغ الضفة من مقومات الصمود.