فتح اعتماد رئيس السلطة محمود عباس قراري "تعديل التقاعد ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين"، والعدول عنه خلال فترة وجيزة، جبهة من الانتقادات تجاه تعاملات السلطة مع المال العام واتهامها بممارسة الفساد بغطاء تشريعي، وسط تساؤلات عن ماهية مصلحة الفئة المتخذة لمثل هذه القرارات في الوقت الذي تشكو فيه خزينة السلطة من العجز المالي.
ورفض اختصاصيون اقتصاديون، وقانونيون ارتجالية السلطة وحكومتها في إدارة المال، أو فرض أي أعباء مالية إضافية غير مبررة دون مقياس لأبعاده وآثاره الاقتصادية والاجتماعية.
وكان رئيس وزراء رام الله محمد اشتية صرح فجر أمس، بأن الرئيس عباس، ألغى حزمة التعديلات الأخيرة المتعلقة بقرار بقانون التقاعد.
وقد سبق تصريح اشتية مطالبة نقابة المحامين الفلسطينيين للرئيس بإلغاء القرارات بقانون، لأنها تأتي في أوقات يواجه فيها الفلسطينيون ظروفًا مالية وقانونية معقدة.
ويرى الاختصاصي الاقتصادي أسامة نوفل أن صدور قرار وإعادة إلغائه في فترة وجيزة يفسر في سياقين، أحدهما محاولة تعزيز شعبية الرئيس في الشارع الفلسطيني وأنه المخلص لهم في ظل حالة العجز المالي الموجود، والثاني عدم معرفة الرئيس في الأساس ما يجرى حوله وأن هناك بطانة تحرك الأمور وفق أهوائها.
وأكد نوفل في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن التخبط الإداري والمالي الذي تعيشه السلطة خطير جدًّا وينعكس سلبًا على ثقة المواطن بالسلطة.
ونبه إلى أن قرار تعديل التقاعد ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين قبل العودة عنه ليس الأول الذي يظهر الفساد المالي عند السلطة.
وقال: إن المتتبع للموازنة العامة، يتبين له أن حجم الرواتب التي تدفع لكبار المسؤولين والوزراء مرتفع جدًّا مقارنة بباقي الموظفين، ويقابل ذلك تجاهل الحكومة لمطالب المؤسسات الرقابية بمكافحة الفساد المالي.
وعبر نوفل عن خشيته أن يكون إلغاء القرار للإعلام فقط، الهدف منه امتصاص الغضب الشعبي، في حين أن سريانه يكون في الخفاء.
استنهاض أدوات الرقابة
ودعا نوفل إلى استنهاض نشاط الأدوات الرقابية الرسمية وغير الرسمية لمتابعة مدى الانضباط في إدارة المال العام.
وقال: يجب أن يمارس العاملون في ديوان الرقابة والمالية، وفي وديوان المحاسبة، والمراقب العام، وأيضًا المؤسسات غير الحكومية أدوارهم على النحو المطلوب في متابعة المال العام، وفضح الفاسدين بعيدًا عن التأثيرات.
من جهته عد الاختصاصي الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن توقيت القرار خاطئ، والرجوع عنه تعديل للخطأ.
وقال عبد الكريم لصحيفة "فلسطين" فضلًا عن أن القرار يزيد من الأعباء المالية على خزينة السلطة، أيضًا لا يراعي في الأساس الواقع المعيشي والاجتماعي لباقي فئات المجتمع ويعمق عمليًّا حالة اللاعدالة في المجتمع.
وعد عبد الكريم، أن تناقضًا بين قرار التعديل الذي يصب في صالح فئة معينة، وبين استجداء حكومة اشتية الموظفين والقطاع الخاص لدعمها من أجل مواجهة جائحة "كورونا".
ويرى أن صدور القرار وإعادة إلغائه خلال فترة قصيرة يثير تساؤلًا عن خضوع التشريعات والقوانين للمشورة الواسعة أم أنها تصدر عن قلة قليلة تتضارب مصالحها مع مصالح الناس.
7 قوانين للتقاعد
ويعتقد د. عصام عابدين المستشار القانوني لمؤسسة "الحق"، أن ما حدث يعكس حالة الارتجال السائدة في الأداء الحكومي، وغياب الرؤية والخطة للتعامل مع فيروس كورونا بمختلف الأبعاد الصحية والإقتصادية الاجتماعية.
ويعتقد عابدين في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن الأمور تتجه نحو الأسوأ، وتعكس خللًا في مفهوم العدالة الاجتماعية والحماية.
وقال: "إن كانت حكومة اشتية تعلم بهذه التعديلات فهي مصيبة وإن لم تكن تعلم فهي مصيبة أكبر"، مشيرًا إلى أن التبريرات التي ساقها اشتية بشأن العدول عن قرار التعديل بعيدة عن المهنية.
ولفت إلى أن ما حدث ليس جديدًا، حيث إن قوانين التقاعد قائمة على التمييز أصلًا.
وبين عابدين أن نهج حكومة اشتية لا يختلف عن سابقيه حيث إنه لا داعي لوجود 7 قوانين للتقاعد، "والتي لو كشفنا عنها لتبين وجود خلل عميق جدًّا في العدالة القائمة على التمييز، وتوزيع النسب" كما يقول.
وأكد عابدين أن ما يحدث من خطط عشوائية والتسيب في المال العام، يدلل على خلل في منظومة القيم، ووجود الفساد مغطى بالتشريع، نتيجة غياب البرلمان منذ سنوات.
تحايل وتخبط
بدوره دعا الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان الحكومة بتعزيز الشفافية في العملية التشريعية، وبمساءلة المسؤولين عن تعديل قانون التقاعد وقانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين.
وطالب الائتلاف في ورقة موقف أصدرها أمس، إزاء "حالة التخبط التشريعي التي حصلت في تعديلات أنظمة الطوارئ" بتبيان كيف تم التحايل بتمرير القانونين في هذه الفترة الاستثنائية للجمهور الفلسطيني، واتخاذ المقتضى القانوني بالمسؤولين عن حالة التذمر المجتمعي الواسع والإرباك للسلم والأمن التي حصلت بالشارع الفلسطيني.
وذكّر الائتلاف محاولة تمرير الزيادة على رواتب الوزراء التي تم اعتمادها في ظل الحكومة السابقة، لأخذ العبر والدروس منها، ولكيلا تتكرر حالة التخبط، وذلك تعزيزاً للنزاهة، ولمنع المساس بالمال العام وهدره وانتهاك الحق في المساواة، حتى لا يؤثر ذلك سلباً على الثقة التي منحها المواطن الفلسطيني مؤخراً للحكومة.
وطالبت الورقة الرئيس محمود عباس بإصدار قرار بقانون يؤكد على إلغاء التشريعين المذكورين بشكل قانوني بسبب مساس العديد من أحكامهما بالمال العام، وخرقهما لمفهوم المساواة، ووجود شبهة تحايل من قبل بعض الاشخاص المنسبين لهذين التشريعين لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب المصالح العامة- واللذين تم الإعلان عن إلغائهما فجر.
ورأى الائتلاف أنه من غير المناسب طرح أية تعديلات على أنظمة التقاعد في ظل حالة الطوارئ والأزمة المالية والوضع السياسي الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية.