قائمة الموقع

​الصمت هو من قتل الزواج

2017-03-28T07:33:37+03:00


"عادَ إلى بيته في المساء بعد يوم عمل مضنٍ، جائعًا متعبًا، ساعدته زوجته في ارتداء ملابسه بعد الحمام الدافئ، تناول غداءه وحيدًا، فهو يتأخر كثيرًا عن موعد الغداء، تبادل معها بعض الكلمات البسيطة عن هموم العمل، سألها بعض الأسئلة المقتضبة. أنهى طعامه واستلقى ليأخذ قسطًا من الراحة، نهض بعد ساعة ونصف، ارتدى ملابسه وخرج لبعض شأنه، عاد إلى البيت في وقت متأخر جدًّا كعادته كل يوم، لابد من رؤية الأخبار وإلقاء نظرة على (فيس بوك)، نظر إلى الساعة فإذا هي تقترب من الواحدة ليلًا، ألقى جسده على السرير وغط في نوم عميق".

أصبحت ظاهرة الصمت القاتل (الخرس الزوجي) مألوفة جدًّا، ومُلاحظة بطريقة لا يمكن تجاهلها، في ظل التقدم التكنولوجي، وثورة الاتصالات التي اجتاحت جميع نواحي الحياة، وملازمة معدات هذا التقدم لجميع أفراد المجتمع في كل اللحظات تقريبًا.

يحدث الصمت القاتل بعد سنوات من العشرة الزوجية، إذ تصاب العلاقة بفتور يعقبه قلة في الكلام وضعف وتراجع في التواصل بين الزوجين، إذ يصبحان بعيدين بعدًا معنويًّا، يغلب الجفاف على العلاقة بينهما، فالزوج يجلس صامتًا واجمًا غارقًا في عالمه الخاص وهمومه، أو مشغولًا بهاتفه الذكي، فلا يشعر بوجود زوجته، ولا يعيرها انتباهه، وإن كلمها فبِجُمل قصيرة وأسئلة مقتضبة، وإن حدثته بشيء بدا كأنه لا يسمعها أو غير آبه بما تقول، ويكون الزوج عادةً من يبادر إلى الصمت وقلة التواصل.

تكاد تشكو الزوجات من هذه الظاهرة بقولهن: "زوجي لا يسمعني ولا يكاد يراني"، لتغلب على المرأة مشاعر اليأس وفقدان الأمل، خاصةً عندما ترى زوجها يضحك ويمازح الآخرين خارج البيت، أما في بيته فيصاب بداء الصمت، وتقوم الزوجة عادةً بمحاولاتٍ عديدة وبأساليب مختلفة لإخراج زوجها عن صمته، ولكنه لا يستجيب، فتغرق العلاقة الزوجية في الصمت والفتور.

يتأثر جميع أفراد الأسرة بهذه الظاهرة سلبًا؛ فيتأثر الزوجان صحيًّا، واجتماعيًّا، ونفسيًّا، أما الأبناء فيميلون إلى العزلة وينفردون بمشاكلهم ويشعرون بفقدان الحماية، وقد يميلون إلى الانحراف والتدخين.

من الطبيعي ألا تسير الحياة الزوجية على وتيرةٍ واحدة، فليس من المستغرب أن توجد خلافات زوجية في بعض الأحيان يعقبها فترات من الصمت، ولكن لا ينبغي لفترات الصمت تلك أن تطول لتصبح سلوكًا دائمًا.

ينتج الصمت القاتل عن غياب اللغة المشتركة بين الأزواج، ويؤدي إلى نفورٍ متبادل ورغبة في الانطواء، ولا يمكننا إلقاء اللوم على الزوج وحده، فأن يمتنع عن الاستماع لزوجته وينعزل بمشاعره واهتماماته بعيدًا عنها في قلعته الخاصة لا يحدث دائمًا نتيجة أشياء تخصه وحده، صحيح أن مشاكل العمل والحياة والتحديات التي يواجهها الزوج خارج البيت قد تنعكس سلبًا على علاقته معها، ولكن للمرأة دورٌ مهم في تعزيز أسباب وجود هذه الظاهرة وطفوها على السطح واستمرارها.

الأسباب الطارئة للصمت القاتل ربما تكون:

§ يحتاج الرجل في بعض الأحيان لفترات استراحة وهدوء بعيدًا عن محيطه (استراحة محارب)، وتكون هذه عادةً فترة عابرة لا يلبث أن يعود منها.

§ يصاب الكثير من الرجال بالصمت القاتل عندما يجدون زوجاتهم ثرثارات، يتكلمن في الكثير من الأشياء دون توقف، فيقابل الرجل الثرثرة الزائدة بالصمت حتى تتوقف المرأة من تلقاء نفسها عندما تجد الصمت هو الجواب.

§ ينتظر الزوج أحيانًا كثيرة من زوجته أن تكون دائمًا المبادرة بالحديث والبحث عن الجديد، وفتح المواضيع التي يتحدثان فيها، فإذا لم تبادر الزوجة إلى ذلك حل الصمت بينهما.

§ عدم اختيار الوقت المناسب للحديث قد يعقبه الامتناع عن الحديث أصلًا.

§ عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين غير الأولاد والبيت، فتجدهم يميلون إلى الصمت القاتل عندما يكبر الأبناء؛ فالعامل المشترك بينهما يكون قد انتهى.

§ بعض السلوكيات المنفرة من أحد الزوجين التي تدفع بالطرف الآخر إلى تجنب الحديث معه تحاشيًا للخلافات.

أما الأسباب المزمنة فهي:

§ التنشئة الأسرية للذكور التي تجعلهم قليلي الكلام.

§ الغنى الفاحش أو الفقر الشديد، وما ينتج عنهما من ضغوط مادية خانقة.

§ اختلاف ثقافة واهتمامات كل من الزوجين، كالعمر أو التعليم أو الثقافة أو التربية.

§ سلاطة لسان الزوجة تحدو بالزوج إلى الصمت تجنبًا للمشاكل.

§ عدم اهتمام كل من الزوجين بمشاعر الآخر وباهتماماته وهواياته.

§ سوء فهم لمفهوم القوامة لدى بعض الرجال، فيكون في اعتقاده أن ملاطفة الزوجة وملاعبتها تنتقصان من رجولته، وتقللان من هيبته ومنزلته.

§ تكبر أحد الزوجين على الآخر، ما يضطر الآخر إلى البعد عنه.

الحلول الممكنة:

• أن تكون الزوجة هي البادئة بالحديث وكسر حاجز الصمت، بحيث لا توجه إليه الانتقادات المباشرة والمستمرة، حتى لا يكون ذلك عذرًا للزوج للاستمرار في صمته.

• أن تحاول الزوجة تجديد العلاقة الزوجية بتغيير الأسلوب في التعامل مع الزوج، وأن تكون أكثر رقة معه.

• على الزوجة ألا تحاصر الزوج بأسئلة وتنتظر منه إجابة فورية وكأنها تحقق معه وتقيد حريته، وبذلك يصر على صمته، ولكن يجب توجيه الأسئلة برقة ودون إصرار حتى لا يضطر إلى الكذب لإسكاتها وإرضائها.

• أن تكيف الزوجة نفسها مع طبيعة زوجها بمرونة وفاعلية، وتحافظ على علاقتهما نضرة ومتجددة دائمًا.

• أن تضفي الزوجة جوًّا من المرح داخل البيت لكي تتولد الألفة وتستمر، ويتمسك جميع أفراد الأسرة بالبيت.

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".

اخبار ذات صلة