الشعب الفلسطيني الجريح يعايش اليوم أزمة جديدة مع دخول جائحة كورونا إلى الأرض الفلسطينية ليدخل في مرحلة أخرى من المعاناة التي يعايشها منذ مطلع التاريخ، ولم يتوقف سيلها، وكأن هذا الشعب كتبت عليه صنوف البلايا وأنواع الأزمات ورزم الكوارث، وقدر له أن يبقى حبيس الدهر مصفدا بظلم الحصار وسطوة الانقسام.
أما من رجل رشيد يمسك بمرساة السفينة الفلسطينية ويقودها إلى بر الأمان؟ أم سيبقى الفلسطينيون يخوضون الصعاب ويواجهون الأمواج العاتية بقوارب متناثرة تسير كل منها في اتجاه مختلف؟ وهذا تشتيت للقوة وتفريق للكلمة وانحراف للبوصلة فلا أحد يمكنه الادعاء بأنه سيصل بنا إلى شاطئ التحرير دون أن يكون في كنانته كل عوامل القوة والوحدة.
مالكم لا تمتثلون لقول الله سبحانه (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)؟ ألا تكفي هذه الآية الكريمة لتكون موجها لنا كي نتعافى من الحالة المستعصية، فإنه من العار أن يبقى الشعب الفلسطيني رهينة المبادرات يرقبها بناظريه وينام حالما بمستقبل أفضل ثم يفيق على فاجعة تتلوها فاجعة وقد تبخرت الأماني وتحطمت الأحلام؟
كيف لا وقد تحدث محمود درويش والحزن يعتري قلبه قائلا: رأيتك أمس في الميناء مسافرة بلا أهل بلا زاد، ثم عاد يقول في نهاية الأبيات رأيتك في جبال الشوك راعية بلا أغنام مطاردة في الأطلال، هذا ما عايشه الشعراء بأحاسيسهم المرهفة حتى فاضت بهم العواطف وانسكب الدمع على حال لم تتبدل.
فحالتنا الفلسطينية يمكن أن تستفيق من غيبوبتها المفرطة وتتعافى من جراحها إذا ما تجردنا من مصالحنا الشخصية، وتخلينا عن سياسة الاستقواء بالآخر، وأسقطنا من حساباتنا ثقافة مغالبة الخصوم السياسيين، وأيقنا أن الخلاص من الاحتلال بتشمير السواعد وحمل السلاح ليتقدم كل عمل ويكون عنوانا للخلاص.
فالشعب الفلسطيني يستحق حياة أفضل يناضل فيها تحت راية موحدة، ويشق طريقه إلى فجر جديد يشرق فيه الأمل على ديارنا الحزينة، وتزهر في ربوعه زهرات وزهور المستقبل الذين يرسمون المشهد بطريقة مختلفة تتكاتف فيها العقول والقلوب قبل السواعد وتتألق فلسطين عاليا في فضاء الدنيا تقاتل في معركة الريادة وتخطو خطى ثابتة نحو المجد التليد.
فحذارِ ثم حذارِ أن نبقى في سبات عميق ننتظر القدر ليلقي علينا مفتاحه السحري، فلا أحد يمكنه التنبؤ بتداعيات هذا الحالة، فنحن نترنح الآن في متاهة مظلمة لم نشهدها من قبل، فما أحوجنا لموقف سياسي مسؤول يستعيد قطار الحالة الفلسطينية على سكّته الصحيحة، فالأخطار تتنامى وتتعاظم، والوحوش توشك أن تلتهم لحومنا، فحينها لن تبقى أرض ولا حق، وسيصبح الفلسطيني عاريا بلا مأوى ولا موقف ولا سند، يصارع الموت غريبا لا يقبله أحد لأنه لم يكن حريصا على إنعاش وطن كان يحتضر.
وأختم بقول ابن خلدون: رب قوم غدوا في نعمة زمنا، والعيش ريان غدق، سكت الدهر زمانا عنهم، ثم أبكاهم دما حين نطق.