في جوف السجن؛ تئن قلوبهم المقيّدة بأحكام مؤبدة وإدارية وسنوات تأكل من أعمارهم، منهم من تقيده أسرّة عيادة سجن الرملة، حيث يقبر فيها الأسرى أحياءً، يتوقون إلى الحرية، وإلى رؤية عائلاتهم وإلى كل شيء حرموا منه.
فيأتي يوم الأسير الفلسطيني الذي يوافق 17 إبريل/ نيسان من كل عام، ليفتح جراح الأسرى في عالم "المنسيين"، أخفتهم القضبان مغيبين عن الحياة، يستيقظون وينامون مع الظلام، لكنها تمر مختلفة هذا العام، يهدد فيروس "كورونا" حياتهم بعدما اقترب من طرق أبواب السجون، وسط تجاهل إدارة سجون الاحتلال إجراءات الوقاية والحماية.
"الرملة".. مقبرة "الإعدام البطيء"
على أحد أسرّة عيادة سجن الرملة يرقد الأسير منصور موقدة مقعدًا لا يقوى على الحركة جراء إصابته أثناء الاعتقال قبل 17 عاما، وإلى اليوم لم ينتهِ من ألم الإصابة حتى بات يحمل كيس "بول وبراز" خارجيًّا.
بصوت امتزج بالألم، تقول زوجة الأسير موقودة: إن "زوجي المعتقل منذ عام 2002م، يتواجد بعيادة سجن الرملة وهي عبارة عن "مقبرة أحياء"، وضعه الصحي سيئ، يعيش بأمعاء بلاستيكية، وبلاتين بأصابع قدمه، يعتمد على أكياس البول، مقعد لا يقوى على الحركة، أصيب بست رصاصات عند اعتقاله وإلى الآن لا زالت الرصاصات بداخله (..) لا يقوى على فعل شيء إلا بمساعدة الأسرى بقربه، تضاعف المرض نتيجة الإهمال الطبي المتعمد".
"أتمنى أن يخرج حتى لا يلقى مصير من سبقوه داخل هذه المقبرة القذرة" .. تبدي عبر طرف "سماعة الهاتف" في حديثها لصحيفة "فلسطين" قلقها السابق: "نتأمل أن يتم الإفراج عنه في ظل إصابة سجانين بفيروس كورونا".
ويبلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال 1200 أسير مريض، بينهم 140 يعانون من أمراضٍ تصنف في درجة الصعوبة والخطورة، ومنهم 21 أسيراً يعانون من مرض السرطان، و34 يعانون من إعاقة حركية ونفسية.
كما ويتواجد في "الرملة" عدد من الأسرى المصابين بأمراض القلب والفشل الكلوي والربو وغيرها، ويقيم 19 أسيراً بشكل دائم فيما يسمى بمستشفى سجن الرملة.
الأسرى "القدامى".. أحكام كبلت سنوات عمرهم
في السجن هناك أسرى أمضوا 40 عاما داخل زنزانة أو غرفة سجن صغيرة خلف قضبان الاحتلال كالأسير نائل البرغوثي، صاحب أطول فترة أسر، وكريم يونس الذي أمضى 38 عاما، أو الأسير المسن فؤاد الشوبكي البالغ من العمر (81 عامًا) المصاب بـ "السرطان"، فهؤلاء الأسرى وغيرهم المئات أكلت السجون سنوات عمرهم ، وهم في حجر منذ سنوات طويلة لم تعشه أو تجربه البشرية.
وليس بأقل منهم الأسير الضرير علاء بازيان، اعتقله الاحتلال عام 1986م وحكم بالمؤبد لكنه خرج بـ"صفقة وفاء الأحرار" عام 2011م، قبل أن يعيد الاحتلال اعتقاله، وقبلها اعتقل عام 1979م وأفرج عنه بعده بعامين، واعتقل بنفس العام وأفرج عنه بصفقة تبادل الأسرى المعروفة باسم "صفقة أحمد جبريل"، ليبلغ مجموع سنوات أسره قرابة 40 عامًا.
لا تخفي زوجة "بازيان" في حديثها لصحيفة "فلسطين" ما يعتمل قلبها من خوف: "أخشى عليه لأن عمره أصبح ستين عاما، ومريض والفيروس – إن دخل السجن – سيؤثر عليه، ويحتاج لإجراء عملية "جيوب أنفية"، فأقول لكل ضمير حي أما آن للضرير أن ترتد الحرية إليه؟".
مرت سبع سنوات تأخر الأسير الضرير كثيرا عن أطفاله، كبرت طفلته انتصار وأصبحت بعمر ست سنوات، وكبرت طفلته "ميار" التي لم تر والدها الأسير إذ كانت زوجته حاملًا بها قبل الأسر، وعاد للقضبان التي أسماها "صناديق".
"الأسيرات".. زهرات تذبلها السجون
"منذ شهرين لم أسمع أي خبر عن ابنتي، نتلمس أن يتم الإفراج عنها في ظل أزمة "كورونا"، في يوم الأسير فتح باب الأمل لدينا رغم الجراح بأن يتم الإفراج عنهم (..) لا نعرف ماذا سيحدث لكننا ننتظر الفرج بترقب وقلق".. كلمات مقهورة خرجت من حنجرة والد الأسيرة عائشة الأفغاني المعتقلة منذ 4 أعوام في سجن "هشارون" ومحكومة بالسجن 15 عاما.
في السجن، يئن قلب الأسير شاتيلا أبو عيادة المقيد بـ 16 عامًا، مرت منها 4 أعوام.. تفترش زنازينه وقضبانه التي تعج بـ"المنسيين" مثلها، بالنسبة لوالدتها يوم الأسير ذكرى تتجدد فيه الأحزان، فتقول: "يوم الأسير يتجدد فيه الجرح عن معاناتها مع السجانين، أو وضع سجن الدامون المليء بـ"القوارض"، لم أسمع صوتها، أخشى أن يصلها فيروس كورونا داخل السجن (..) هذه الذكرى تؤلمنا أكثر وتفتح جراحنا على بناتنا الأسرى".
وبحسب تقرير لمكتب إعلام الأسرى نشر مؤخرا، فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال يزيد عن 5 آلاف أسير، 4 آلاف منهم من الضفة الغربية و400 من القدس، و280 أسيرا من قطاع غزة، و90 أسيرا من الأراضي المحتلة عام 1948، و20 أسيرا عرب يحملون جنسية أردنية.