الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اقتفى أثرهم وَسَارَ على دربهم إلى يوم الدين، أما بعد:
أخرج أبو داود في سننه عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) كان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ".
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة.
من المعلوم أن الحياة الدنيا دارُ ابتلاء واختبار، فمن سرَّه زمن ساءته أزمان، فالإنسان معرَّض للشدائد حينًا، والفرح والسرور حينًا آخر، وتلك هي سنة الحياة، كما في قوله (تعالى): {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.
والإنسان الذي يعمر الإيمان قلبه يلجأ إلى الله (سبحانه وتعالى) دائمًا في السراء والضراء، يشكره على نعمائه ويسأله العون وتفريج الكروب، لأن ثقته بالله عظيمة، وأما غير المؤمن فيضعف أمام الشدائد، فقد ينتحر، أو ييأس، أو تنهار قواه، ويفقد الأمل، لأنه يفتقر إلى النزعة الإيمانية، وإلى اليقين بالله.
وبلادنا المباركة فلسطين أصابها كباقي دول العالم هذا الوباء العالمي الفَتَّاك (كورونا) الذي ينتشر في الآفاق حتى عمَّ العالم، ونحن في هذه الأزمة أحوج ما نكون فيها إلى العودة إلى الله (سبحانه وتعالى)، وأن نلجأ إليه (عزَّ وجلَّ) كما جاء في قوله (سبحانه وتعالى): {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ}، فما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة، كما يجب علينا الأخذ بالأسباب والالتزام بالتعليمات، وأن نكون متيقنين أن الله (سبحانه وتعالى) هو الحافظ والشافي {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، فالأوبئة تكون ثمّ تهون، وكم مِنْ أوبئة حَلَّتْ ثم اضمحَلَّتْ، وتَوالتْ ثم تَولّتْ، فعلينا أن نكون متفائلين، وأن نثق دائمًا بفرج الله (سبحانه وتعالى).
فضل التضامن والتكافل
إنّ السعي على مصالح الناس والعمل على قضاء حوائجهم من أسمى الطاعات وأفضل العبادات وأعظم القربات إلى الله (سبحانه وتعالى)، فقد أمرنا ديننا الإسلامي الحنيف بالتعاون على البرّ والتقوى، كما جاء في قوله (سبحانه وتعالى): {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، فإذا ما حلَّ بالمجتمع وَبَاءٌ أو غلاءٌ أو حاجة، فإن الواجب على أفراد المجتمع أن يتعاونوا على سَدّ حاجة المحتاجين ويتكاتفوا لقضاء حوائج الفقراء والمساكين، فقد أثنى رسولنا (صلى الله عليه وسلم) على الأشعريين الذين كانوا في وقت الحاجة يتضامنون فيما بينهم، يتضامن صاحب السَّعة مع المحتاج، كما جاء في الحديث أنّ رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"، وما نراه في هذه الأيام من تكافل اجتماعي في جميع محافظات الوطن لهو أمرٌ عظيم يدلّ على أصالة شعبنا الفلسطيني المرابط.
فهذه دعوة للأغنياء والموسرين والتجار والمحسنين، نقول لهم: اليوم هو يومكم، فأنتم مَنْ سترسمون البسمة على الشّفاه المحرومة، وَتُدخلون السرور على القلوب الحزينة، ولكم مِنّا خالص الدعاء بأن يحفظكم الله من كلّ مكروه، وأن يبارك لكم في أموالكم وأهليكم، اللهم آمين يا رب العالمين.
وَبَشِّرِ الصابرين
إنّ الصبر عنوان الإيمان الصادق وبرهانه، ومن المعلوم أن الإيمان نصفه شكر على النّعماء، ونصفه صبرٌ على البأساء والضراء، فالصبر ضياء للإنسان في دنياه وآخرته؛ لذلك إن جزاء الصّبر عطاء من الله بغير حساب في الآخرة، وهو في الدنيا ضياء في الأحداث، وثبات يُكَفّر الله به الذنوب ويفتح باب الفرج القريب.
ونحن في هذه الأيام والعالم يواجه جائحة (كورونا) بحاجة إلى أعظم زاد، إلى كتاب الله الكريم، كما جاء في قوله (سبحانه وتعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ورسولنا وقدوتنا محمد (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ قال: "يا بِلالُ، أرِحْنا بالصَّلاةِ".
إنّ الصبر نصف الإيمان، والتحلّي بالصبر من شِيَمِ الأفذاذ، فاصبرْ وما صبرُكَ إلا بالله، اصْبِرْ صَبْرَ واثقٍ بالفرج، كما جاء في الحديث عن عائشة (رضي الله عنها) أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ، وَيَمْكُثُ فِيهِ لاَ يَخْرُجُ مِنَ البَلَدِ، صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيد).
قال الإمام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث السابق: (... كما اقتضى منطوقه أنّ من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد، وإن لم يمت بالطاعون).
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ
نحن في هذه الأيام أحوج ما نكون إلى التوجه إلى الله (سبحانه وتعالى) بالدعاء خاشعين مُتَذَلِّلين، أن يكشف عنّا وعن شعبنا وأمتنا والعالم أجمع الوباء والبلاء، فالدُّعاء مَلاَذُ كلّ مكروب وأملُ كلّ خائف وراحةُ كلّ مضطرب، وهو من أعظم العبادات التي ينبغي للمسلم أن يعتصم بها خاصةً في أيام المِحَنِ والشّدائد.
وحقٌّ علينا جميعًا أن ندعوَهُ (سبحانه وتعالى) في الشّدةِ والرَّخاءِ والسَّراءِ والضَّراءِ ، ونفزع إليه في المُلِمَّاتِ ونتوسّل إليه في الكُرباتِ أن يرحمنا برحمته، وأن يُعاملنا بما هو أهله، ولا يُعاملنا بما نحن أهله، اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا يا ربّ العالمين، حينها يأتي مَدَدُهْ ويصِلُ عوْنُه، ويُسْرعُ فرجُهُ ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾.
لن تتحقق تلك النتيجة المأمولة في مكافحة فيروس (كورونا) إلا بتكاتف الجميع، والالتزام بكل الإجراءات التزامًا تامًّا، فالمسألة مهمة جدًّا، فهي حياة أو موت، فلا تهاون في تطبيقها.
نسأل الله (تعالى) أن يُمتعنا جميعًا بالصحة والعافية، وأن يصرف عنا الوباء والبلاء، إنه سميع قريب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.