قد يشرد الإنسان بأفكاره أحيانًا ويخطر على باله أسئلة لا يعرِف إجاباتها، ولكن اعتقاداته بشأنها وسؤاله فيها قد تدخله في دائرة المحظور، كسؤاله عن الدين والموت وأمورٍ غيبية، وغيرها، لتوصله إلى طريقٍ يتعثر فيه بالشك وفي نهاية المطاف قد يصل إلى الإلحاد، فكيف يمكن للإنسان أن يُحصن نفسه من المعتقدات الخطأ فيما يتعلق بالدين؟ هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:
قال الداعية مصطفى أبو توهة: "يقينًا إن هذا الدين قائم من أوله إلى آخره على مقومين اثنين: أولًا الفطرة السليمة، وثانيًا العقل الرشيد، فالفطرة السليمة توصلنا إلى نصف الطريق، لكنها لا تصل بنا إلى معرفة الله (تعالى) حق المعرفة بأسمائه وصفاته وأفعاله، إلا بتعريف الخالق بنفسه، وهو الجهة الوحيدة التي من حقها أن تعرف بذاتها".
وأضاف: "مدخل هذه المعرفة وأداة التخاطب فيها هو العقل، فإن الإسلام من بداياته الأولى حمل حملةً شعواء وأعلن حربًا لا هوادة فيها على كل ما يصدر عن التقليد والمحاكاة ومنطق الآبائية، ليكون شعاره: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}".
وبين أبو توهة أن المسلمين قد وقعوا في هذا المنطق المرفوض قرآنيًّا، معقبًا: "فكان إسلامنا امتدادًا لإسلام الآباء والأجداد، ولو قدر لنا أن نعيش في بلاد الغرب لكنا نصارى، وملحدين، وبالمقابل لو قدر لهذا الغربي أو من يقابله من الشرق لربما كان أفضل إسلامًا وإيمانًا، لذلك يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: (إن المسلم إذا بلغ سن التكليف ينبغي أن يُعمل عقله في بدهيات الدين ومسلمات العقيدة)".
وأشار إلى ضرورة أن يبتعد المسلم عن الأسئلة الغيبية التي لم يخبر بها الله (سبحانه وتعالى)، حتى لا ينساق إلى دائرة الشك وموجة الإلحاد التي اجتاحت في طريقها عددًا ليس بالهين من شباب الإسلام، لها أسبابها وليس لها ما يبررها.
وبين أبو توهة أن من أخطر الأسباب التي كان حصادها مرًّا هو أن القائمين على الدعوة الإسلامية قد وقفوا عند الأدلة والبراهين الدينية البحتة التي كان لها مفاعيلها قبل الثورة الصناعية الثانية، وقبل تفجر العلوم الإنسانية والتجريبية، ولم يتحصن أولئك العاملون في حقل الدعوة الإسلامية بالثقافة والمعرفة المعاصرة التي طرحت على المتدينين إشكالياتٍ ربما أحرجتهم.
ولفت إلى أنه لا شك أن القرآن الكريم حينما مدح العلماء لم يحصرهم فقط في علوم الشريعة والدين مصداقًا لقوله (تعالى): "أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، لذلك أكد أن القرآن نفسه قد مدح العلماء الباحثين في المجالات الكونية التي هي ميدانٌ فسيح ووسيع للدلالة على الله من أقرب طريق،"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ*وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ".
وتابع أبو توهة حديثه: "إذن يجب على عالم الدين كما كان سلفه الصالح من العلماء أن يكون موسوعيًّا كما قال أبو حامد الغزالي: "نحتاج إلى المعرفة الدينية بقدر احتياجنا إلى الدواء، ونحتاج إلى المعرفة الدنيوية بقدر احتياجنا إلى الغذاء"، ولا يمكن أن نغفل هنا عن سببٍ ربما لا يقل أهميةً عن الجهل المعرفي بسنن الله الكونية، ألا وهو الموقف الشخصي لهذا الملحد أو ذاك".
ولفت إلى أن انعدام الموضوعية والحيادية وحالة الكبر والتمرد على البراهين الواضحة ربما تجعل العالم يركب متن جهله، ليس لعدم معرفته ولكن لشيء في نفسه، كما قال (تعالى): "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا".
وختم حديثه: "الوساوس والمعتقدات الخطأ تؤثر على الروح وتضعفها، فلابد أن يسعى الإنسان إلى تقوية إيمانه وعمل الخير ومساعدة الآخرين".