قائمة الموقع

الطبيب "أبو شريعة".. 21 يومًا يداوي أوجاع المرضى بـ"صدر رحب"

2020-04-10T23:35:00+03:00

غاب عن أسرته لأكثر من عشرين يومًا متواصلًا، لم يسمع أطفاله صوته إلا لعدة دقائق؛ مدة اكتملت حتى نهايتها.. متواجدًا في مركز حجر صحي يضم  100 مريض معظمهم مرضى من كبار السن منهم مصابون بالسرطان، لتكون المسؤولية الملقاة على عاتق أخصائي الطوارئ وأمراض الباطنة والغدد الصماء الدكتور جدوع أبو شريعة كبيرة.

في فندق «الكومودور» بغزة – الذي يضم المرضى من كبار السن - يمنع أي شخص من الدخول إليه، وكذلك الخروج منه، كإجراء احترازي من فيروس كورونا (كوفيد 19) ولحساسية الفئة «المحجورة» التي تعاني قلة المناعة، لكن الطبيب أبو شريعة نقلنا عبر «الهاتف» إلى تفاصيل العمل هناك حيث كان يتواجد، ويقرب الصورة أكثر.

كيف تقبلت العائلة والأطفال خبر غيابك لأكثر من 21 يوما؟..  سبقت إجابته نبرات شوق قائلاً: «كانت صدمة بالنسبة لهم أن أغيب طول هذه المدة، يوميًا يتواصلون برسائل صوتية، استمع إليها أوقات الفراغ، فلا أستطيع تفريغ نفسي للحديث معهم بمكالمة هاتفية طويلة، لأننا هنا في ضغط عمل واحتياجات متواصلة لمرضى أجروا عمليات جراحية ويحتاجون لعناية خاصة».

وأضاف: «ربما لم أتحدث إليهم بمجموع الاتصالات الهاتفية سوى عشر دقائق».

تقبل الطبيب «نداء الواجب»  بالتواجد مع النزلاء «المحجورين» بـ «صدر رحب» بعد انتدابه للإشراف على الطاقم الطبي بالفندق رفقة الحكيم إياد أبو دلال، والإداريين ياسر الشامي ومحمد حسين من وزارة الصحة الفلسطينية.

مهمة متعبة

بعد الصبح بقليل، يبدأ أبو شريعة، مهمة متعبة، يتوقف عند الروتين اليومي في متابعة المرضى: «استيقظ باكرًا، وأبدأ بتجهيز الأدوية وأدوات غيار الجروح، والتجوال على كل مريض، كونهم مرضى سرطان، أو أجروا عمليات جراحية  للقدم والسكري، فيكون المرور الصباحي لمدة ثلاث ساعات نتعرف على احتياجاتهم والادوية اللازمة، ثم نبدأ بين الظهر والعصر بعد قسط من الراحة بتنفيذ غيارات جراحية للمرضى، كما نجلب – بمساعدة شركات ومتبرعين – أدوية ومضادات حيوية خاصة لا تتواجد بوزارة الصحة لهؤلاء المرضى».

التدخل الطبي يتمثل بصرف علاج، مراقبة المرضى وطبيعة التدخل المطلوب، غيار العمليات الجراحية، العلاجات الهرمونية، متابعة مرضى السرطان وهم أصعب حالات خاصة مع اقتراب مدة حاجتهم لجرعات جديدة، وكذلك مرضى «الضغط والسكر» وإعطاء العلاج اللازم.

مواقف عديدة مرت على أبو شريعة في عمله، هذا الموقف لا يفر من حديثه: «ببداية الحجر وصلت رسالة هاتفية لمسنة لتهنئتها بيوم ميلادها؛ فقمنا بإحضار قالب جاتوه، والاحتفال بتلك المناسبة، التي تفاجأت وبدت سعيدة جدا، أحيانا تجد مريضا متوترا فنقوم بتهدئة روعه، تشعر أننا أصبحنا عائلة واحدة».

"الوطنية متجذرة في قلوبنا كشعب فلسطيني تجدها في داخلنا، وأننا مسخرون كأطباء لخدمة أبناء شعبنا ويجب أن نكون على قدر المسؤولية».. أجاب عن دافعهم في قبول العمل، بنبرة بدا عليها الفخر، مضيفا: « بعد رؤية ابتسامة المرضى نهاية كل يوم .. تغمرنا سعادة كبيرة، بأننا قدمنا الواجب المطلوب منا تقديمه".

أدوات ومحاليل متصلة بأوردة المرضى، أشخاص أجروا عمليات جراحية حديثا وعادوا من الخارج، أبو شريعة وطاقمه المرافق يتابعون الحالات، تدخلات طبية لا تتوقف واحتياجات المرضى لا تنتهي على مدار اليوم .. هكذا تحوّل فندق «الكومودور» إلى مشفى حقيقي.

غياب أشبه بعام

في بيت عائلته؛ مضت تلك الأيام ببطء، وكأنها ساكنة لا تتحرك، كانت أشبه بعام كامل، تعترف زوجته «أم محمد»: «لم أتمالك حبس دموعي قلقا وخوفا على زوجي الطبيب، أدعو الله أن يعيده إلينا بأحسن حال بعدما اقتربت جدا فترة انتهاء الحجر الصحي».

غاب عنهم شعور الأمان، وغاب صوته من أركان البيت، وغابت معها الطمأنينة، هذا ما تشعر به زوجته، قائلة: «صحيح أن زوجي غاب عني أياما مرت كعام، لكني أتذكر أطفالا فقدوا أباءهم، و زوجة فقدت زوجها (..) مما يدفعني للصبر أنني فخورة لتلبيته نداء الوطن والواجب مع بقية الأطباء، تلهج ألسنتنا بالدعاء له أن يعود سالما معافى».

«متى بابا بده يروح ؟.. بابا مطول؟» .. اختلفت اسئلة أطفالها لها، لكن كان مضمونها واحدًا يعبر عن حجم الشوق بعد «نفاد صبرهم»، تنقل بعضا مما عايشته الأسرة في غياب الزوج: «نجلس على طعام الغداء بدونه، يكون الطعام أمامك بلا طعم، ولا رائحة، إلا رائحة الشوق، يرسلون أطفالي رسائل صوتية لولدهم يشتاقون فيها لاحتضانه، للعب معه».

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يغيب عنها الطبيب «أبو شريعة» هذه المدة فعام 2014م كلف بالعمل بمستشفى ناصر بمدينة «خان يونس» وكان يستمر الغياب لثلاثة أسابيع ويعود أوقات الهدنة فقط، تستذكر تلك اللحظات: «كنا قلقانين عليه كتير، والآن انتظرنا ما يطول في غيبته، لأنه كان عامل فراغ كبير بالبيت».

اخبار ذات صلة