قائمة الموقع

المستشفيات أوقات الطوارئ.. «خلية نحل» لا تملّ العمل

2020-04-08T12:56:00+03:00
صورة تعبيرية
فلسطين أون لاين

يكاد المشهد يكون روتينيًا، صالة مفتوحة؛ مرضى يستندون على الأسرَّة؛ أيدٍ ممدودة، يسحب منها الدم تجاه الجهاز الطبي (غسيل الكلى) الملاصق لكل سرير في أعلاه شاشة تعرض بيانات الحالة المرضية، لكل واحد منه قصة مختلفة مع المرض الذي لا يعرف مرحلة عمرية معينة، وهناك في قسم حضانة الأطفال يدنو قلب ممرضة من طفل بين عشرات الأطفال الخدج يزن 900 غرام أبصر الحياة قبل ثلاثة أيام، وقد أصبح يعتمد على التنفس بنسبة 60% بعدما كانت نسبته "صفر" وكانت الفرحة تغمر قلبها وكأنها أم أخرى له.

المشهد كان مختلفا في قسم "الحروق" فاستطاع الأطباء إنقاذ حياة الطفلة "رزان" دغمش (3 سنوات) بعد أن وصلتهم بحروق من الدرجة الثالثة بنسبة60% وكانت حالتها حرجة، وبالقسم ذاته عاد دوت ضحكة "ازدهار العماوي" التي أفاقت من "موت سريري" وارتد إليها نفسها من "الصفر".

خلف تلك المشاهد، أطباء أو إن شئت فسمهم "ملائكة رحمة" نذروا حياتهم لخدمة المرضى، يداوون أوجاعهم، ويضمدون جراح المرضى ويزرعون الابتسامة على وجوههم من جديد، يزيلون الألم، لا أحد يسمع صوت بكائهم ولا يراه، فهم يبكون في قلوبهم حينما يتأثرون بتلك الأوجاع.

الساعة الحادية عشرة صباحًا في أكثر الأماكن حساسية بمجمع الشفاء الطبي، في فترة الطوارئ التي تعيشها المستشفيات، لا تتوقف فيها الخدمة حتى في زمن فيروس "كورونا" الذي عطل الحياة في كل المرافق، ترى حركة الأطباء والممرضين كخلية نحل، وكأنها أشبه بحالة إعلان طوارئ، المرضى منومون، الزائرون يتوافدون، والرعاية مستمرة.

أن تغسل "الكلى" "أربع ساعات"!

على أحد الأسرّة قسم الكلى، مضت ساعتان وخمسون دقيقة لجلوس المسنة "أم علاء" الصعيدي على جهاز غسيل "الكلى"، وتبقى ساعة ونصف لانتهاء الجلسة؛ بجانبها كرسيها المتحرك.

اقترب الحكيم أحمد أبو العطا من شاشة جهاز الكلى لأم علاء شارحا حالتها أثناء مرافقته لنا: "الجهاز يعطينا مؤشرا، حول حالة المريض، وقراءات لضغط الدم، وإن كانت جلستها سليمة (..) معظم متابعتنا تكون بالنظر عن بعد وتفقد أحوالهم، وفي حالة وجود مشكلة يعطينا الجهاز جرس إنذار".

تجلس أم نبيل سبيتة على سرير، تمد يدها على مسندة خاصة يسحب الدم من يدها إلى الجهاز الذي يقوم بتنظيفه من السموم وإعادته للجسم في عملية تستغرق أربع ساعات، تنظر إلى الشاشة بوجه طلق بدى عليه الراحة، فتقول: "هذه الماكنة هي حياتنا، فلا يمكن تصفية السموم إلا من خلالها (..) الممرضون هنا يشرفون على قياس الضغط ومتابعة حالتنا، والأمر الآخر أن هذه الخدمة مجانية، علمًا أنني كنت في مصر أدفع 250 جنيهًا على كل جلسة غسيل بمعهد "فلسطين" الطبي".

بنظرة مرت على كل الماكينات، تبعها التجول أمام كل سرير، تتفقد الحكيمة أريج أبو عصر "المرضى"، وبعدما انتهت تشرح دورها: "بعد كل جلسة نجهز الماكنة، ونعقمها ثم نستقبل المريض الآخر ونراقب وزنه، ونقيس ضغط الدم، ونسبة "الهبارين" (..) عملنا هنا حساس لأن المرضى معرضين لارتفاع ضغط الدم".

 

 

 

الساعة التاسعة صباحا، ثلاث مرات في الأسبوع، يحضر إسعاف تابع لوزارة الصحة المسنة نوال الكفيدي من شرق مدينة غزة لقسم الكلى وذلك منذ عدة سنوات، نظرا لوضعها الخاص كونها تعاني من فقدان البصر وصعوبة المشي إلا لخطوات معدودة بسبب آلام في قدمها".

تمد قدميها للراحة ويدها لسحب الدم أثناء الجلسة، نبضات قلبها. عدد مرات "الشهيق والزفير" خلال ثوان معدودات، يخبرك بوضعها الحساس، وهي تخبرك شيئًا آخر بعفوية: "بقدرش أمشي ولا اشوف، أنا بس يا دوب أقدر آجي مع إسعاف الوزارة، أغسل وأروح، لو غبت مرة ممكن أتعب كتير".

في الغرفة رقم "5" ينغمر الحكيم خالد حمد في متابعة بيانات أحد المرضى وهو يمسك ملفه، يراقب تغير الوزن ونوع المحلول، الذي يسجل على السجل في كل جلسة غسيل.

رئيس قسم تمريض "الكلى" أحمد أبو العطا، يشرح الإجراءات الاحترازية التي اتخذها القسم، قائلا، إن القسم يتابع 450 مريضًا بالكلى يجرون ثلاث جلسات غسيل أسبوعيا، بمعدل 220 حالة يوميا موزعين على أربع إلى خمس فترات، واتخذ إجراءات احترازية للتعامل مع فيروس "كورونا" منها منع دخول أي شخص لقسم الكلى حتى المرافقين نظرًا لوضع المرضى الحساس وقلة المناعة، وفحص كل مريض وقياس درجة حرارته كل جلسة، وتعقيم الأجهزة والأسرّة، وذلك لتقليل التجمعات.

في قسم الولادة.. عيون الممرضات لا تغفو

أصوات المنبهات لا تتوقف، إشارات ولوحات ضوئية بالأرقام تنبه الممرضين في قسم الحضانة بحالة كل طفل، بداخل كل حاضنة أو إن شئت فسمه "وعاء الأم" تتصل أجهزة "الأكسجين" بفم كل طفل، بحذر ولطف تقوم الحكيمة تسنيم البحيصي بإزالة "البامبرز " وهي تدنو من طفل يزن كيلو و200غرام، تقوم بهذه العملية ثلاث مرات يوميًا على مدار فترة وجود الطفل التي لا تقل عن شهر وكأنها أصبحت "أما أخرى" هي وزميلاتها لنحو160 -200 طفل يصلون القسم شهريا.

 

بعد أن خلعت القفازات من يدها؛ غسلت يديها، وقالت بوجه تعلوه ابتسامة وبدت سعيدة بعملها: "يوميا نقوم بغسل جسم الطفل إن كانت حالته تسمح، ونغير "البامبرز" ثلاث مرات، واستبدال الأغطية، وتنظيف الأنف والفم، وتنفيذ علاجات الحليب، فعملنا هنا على مدار الساعة بمراقبة العلامات الحيوية".

تشير باتجاه حضانة الطفل سابقة "نتعامل مع أطفال صغار الحجم، يجب أن تعمل بكل حواسك معهم تعرف ما يحتاجه من لونه، حركته، طريقة تنفسه، إذا كان يحتاج شيئا فعملنا قمة الدقة".

بالنظر أكثر داخل حضانة الطفل، أمامك جهاز الأكسجين متصل بأنفه، وأنبوب آخر متصل من الفم إلى المعدة لإمداده بحليب أمه الذي يجلب يوميا بواسطة "راضعة" بلاستيكية ويقوم الممرضون بتقطيرها بواسطة الأنبوب، وأحيانا يضطر الأطباء لإجراء عمليات جراحية لإمداد الأنبوب من "السرّة" مباشرة حسب نوع الحالة.

حضر الطفل السابق قبل ثلاثة أيام يعاني من مشاكل عدة في التنفس، وجرى وضعه داخل حاضنة متصلة بجهاز تنفس صناعي مضغوط لمساعدته على التنفس، والآن وضعه مستقر، ويمكث الأطفال المولدون قبل 32 شهرًا على الأقل ثمانية أسابيع.

في حاضنة أخرى هناك حالة طفل موجود ويبلغ وزنه 900 كغم وقد أصبح يعتمد على التنفس الطبيعي بنسبة 60% بعدما وصل قبل ثلاثة أيام منعدم التنفس، ووضع على مدار الساعة بجهاز التنفس الصناعي المضغوط.

يقول رئيس قسم الحضانة د. ناصر بلبل بعدما اصطحبنا بجولة داخل الغرف، إن القسم يصنف بالمستوى الرابع، ويضم كادرًا طبيًا متخصصًا، وهو من أكبر الأقسام داخل القطاع، رغم حاجتهم إلى توسعته، نظرا لاستقباله شهريا نحو 160-200 طفل أكثر من نصفهم من الخدج، مشيرا إلى نفاد مادة "سيرفاكتنت" قبل يومين، مما اضطرهم لاستخدام جهاز الأكسجين المضغوط كبديل.

 

 

 

قسم الحروق... صراع مع الألم

لعبة أطفال على هيئة "عروس" بلون "بنفسجي" على سرير أبيض؛ مشهد مبهج أمامك، قبل أن يمر بصرك في قسم الحروق للسرير المجاور لتجد طفلة مغطاة بالشاش الأبيض يلفها من أسفل قدميها إلى رقبتها، ثم تسمع صوت الطفلة رزان دغمش (ثلاث سنوات) يخرج من شفتيها المتضخمتين للأمام متقطعا: "بدي دوا... بدي دوا"، تناجي لإسكات ألمها، فهذه الطفلة نجت "من الموت".

رئيس قسم جراحة الحروق الدكتور ماهر سكر الذي رافقنا في جولة داخل قسم الحروق بمجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، يشرح التدخلات الطبية لإنقاذ حياة رزان قائلا: "تعاملنا معها بطريقة مهنية عالية، بعد أن وقعت في آنية كبيرة مغلية وتعرضت لحروق من الدرجة "الثالثة" الصعبة بنسبة 60% أي تكون نسبة الحياة صعبة".

لإنقاذها أجرى الأطباء عملية تنظيف جراحية وقشط الجلد الميت، كي لا تدخل بحالة تسمم بكتيري، وبعد أن تفاقمت الجروح أخذ الأطباء جلدا من والدها وعمل رقعة جلدية لأسبوعين، مردفا: "إذا مضت الأيام الثلاثة القادمة على خيرا سيكون تحسن حالة رزان انجاز لقسم التجميل بوزارة الصحة الفلسطينية".

لا تتسع كلمات الشكر قلب والدة رزان، وهي تحاول تمرير بعض قطع الفاكهة إلى فمها: "بفضل الله الأطباء وقفوا معنا وقفة كبيرة... كانت حالتي بنتي صعبة".

تشير نحو الطبيب سكر، قائلة: "بالأمس كانت ابنتي تتوجع بشدة، وفجأة رأيته أمامي جاء من تلقاء نفسه للاطمئنان على حالتها، رغم أن دوامه كان قد انتهى واستطاع اسكات الألم".

في خامس أيام دخولها لمكان تجهله، تتمدد ازدهار على سرير المشفى يلف الشاش الأبيض معظم أنحاء جسدها؛ على وجهها بقع حمراء يدفعها الممرضون، يأسر السرير الذي نقل "ازدهار" وحولها جيش من الممرضين، أنظار الجميع، تتجه عيونهم نحو وجهها البقعة الوحيدة الظاهرة من جسم ملتف بغطاء أبيض بكامل، حتى توقف السرير داخل الغرفة، كان المكان مزدحما بأقارب ازدهار العماوي (الديري)، بعدما مرت خمسة أيام صعبة على قلوب هذه العائلة، كانت ازدهار فيها بين "الحياة والموت".

زراعة ابتسامة من الموت

بعد شهر من المشهد السابق؛ كان فيه صوت ازدهار غير مسموع بالكاد استطاعت تمرير بعض الكلمات لجهاز التسجيل، لا تستطيع فتح عينيها؛ تملأ وجهها البقع الحمراء، اليوم تتمدد على أحد أسرّة قسم الحروق بمجمع الشفاء، لكن الحال لم يبق كذلك، استقبلتنا بوجه طلق اختفت منه الكثير من البقع الحمراء، إذ أجرى إليها الأطباء عمليات في زراعة جلد على وجهها، هم في الحقيقة أجروا إليها زراعة ابتسامة بعدما عادت إليها ضحكتها واختفت الدموع التي رأيتها المرة الماضية.

تحرر كلماتها التي مضت بطلاقة بدون ألم يقطع صوتها راحلة إلى لحظات مكوثها في غرفة العناية المركزة: "أتذكر تلك اللحظة، حينما أزال الطبيب جهاز التنفس الصناعي، وقال لي: " كان عندك النفس صفر والآن رجعت أحسن، قالوا لي عائلتي، إن كل التوقعات كان تذهب بأنك ستموتين".

يفترش حريق سوق مخيم النصيرات الذي وقع في 5 مارس/ أذار 2020 ذاكرتها، بلهجة عامية: "كنتش متأملة انه نعيش، شفت ابني مؤمن دخل لمحل صرافة واحترق المحل، غامرت كي أنقذه لكني احترقت وطفلتي مرام وزوجي، وحينما رأيت مؤمن لم يصب بالحريق بالمشفى قبل دخولي العناية المكثفة أغمي علي".

خمسة أيام كانت "ازدهار" في موت سريري بالعناية المركزة، لكنها خرجها منها بعد رعاية وتدخل طبي مكثف، لك أن تتخيل أن هذه السيدة أمامك على سرير طبي يلفها الشاش من قدميها حتى رقبتها، يقوم الأطباء –منذ شهر- بإجراء عملية غيار لها مرة كل ثلاثة أيام، في كل مرة يتم تخديرها ويستغرقون خمس ساعات في ذلك، ببسط ودقة حتى لا تفتح الجروح القديمة.

 

بجانب سريرها محلول وريدي، يمدها لخفض حرارتها، تعلق شقيقتها المرافقة لها منذ شهر: "الرعاية بالمشفى أفضل من البيت، هنا يقدم لها الأدوية والعلاجات وعمليات زراعة الجلد التي أجرت عدة منها لكتفيها وخلف أذنيه وقدمها اليسرى وأوجه يديها".

تنهيدة ازدهار هنا تروي مائة حكاية من الصبر: "الحمد لله تحسنت حالتي، بعدما كانت نسبة الوفاة 90%، الأطباء دعموني نفسيًا لا أنسى كلماتهم لي: "راح ترجعي زي أول لحياتك وطبيعتك، كان كلامهم يعطيني الأمل للاستمرار".

بحسب الدكتور ماهر سكر، فإن القسم هو المركز الرئيس للحروق في قطاع غزة، يعالج مصابي الحروق من كافة الدرجات، تعامل مع 26 حالة من مصابي وضحايا حريق سوق "النصيرات" 17 منها لا زالوا بالقسم حتى اللحظة، ويعاني الأطباء – رغم قلة عددهم – من ضغط العمل المتواصل عليهم.

يقول سكر: "نقدم خدمات مستمرة لا تتوقف، وضغط العمل سبب أنه المركز هو الرئيس على مستوى القطاع لعلاج الحروق، لدينا غرفة عناية مركزة و12 سريرا، نقدم الخدمة لحالات الحروق البسيطة التي يمكن معالجتها بشكل يومي في الاستقبال أو العيادة الخارجية، أما الحالات الصعبة تدخل للقسم ونقدم لها الاسعافات الأولية ثم التدخل الجراحي".

"دائما قبل الغيار نعطي المريض علاجات تخفف الألم، إذا كان الغيار مؤلما، عن طريق طبيب التخدير". والكلام له.

هل طبيعة الحالة تؤثر المحترقة أمامك تؤثر على الواجب المهني؟ هذا السؤال بالنسبة هذه المرة لنائب رئيس قسم الحروق د. أحمد المغربي يجاب عليه بعدة طرق حسب خبرة الطبيب ومدة عمله، مجيبا وكأنه مرَّ سريعا على الحالات التي عالجها على مدار 20 عاما: "كوني طبيب متمرس مر بحروب ومجازر إسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، لنا خبرة، جاءني أشلاء، ومناظر بشعة، ناس محترقة، بالتالي موضوع العاطفة لا يجب أن يؤثر على قراري في هكذا وضع، فيجب أن أكون حاسما ومهنيا ولا مجال للعاطفة".

 

"أهم شيء أنك تصنع الابتسامة من الموت مرة أخرى، لا زلت أذكر الطفلة ابتسام ضاهر حينما استشهد كل عائلتها وفقدت حاجبها مع الوجه، أجريت فارقا شديدا لها وزرعة لها حاجبا لم يكن موجودا "... بهذه الذكرى انتهت إجابة العامودي.

فندق "حجر" تحول إلى "مشفى"

غاب عن أسرته لأكثر من عشرين يومًا متواصلا، لم يسمع أطفاله صوته إلا لعدة دقائق؛ مدة اقتربت من نهايتها، متواجدًا في مركز حجر صحي يضم 100 مريض معظمهم مرضى من كبار السن منهم مصابون بالسرطان، لتكون المسؤولية الملقاة على عاتق أخصائي الطوارئ وامراض الباطنة والغدد الصماء الدكتور جدوع أبو شريعة كبيرة.

في فندق "الكومودور" بغزة –الذي يضم المرضى من كبار السن- يمنع أي شخص من الدخول إليه، وكذلك الخروج منه، كإجراء احترازي من فيروس كورونا (كوفيد 19) ولحساسية الفئة "المحجورة" التي تعاني قلة المناعة، لكن الطبيب أبو شريعة نقلنا عبر "الهاتف" إلى تفاصيل العمل هناك، ويقرب الصورة أكثر.

تقبل الطبيب "نداء الواجب" بالتواجد مع النزلاء "المحجورين" بـ "صدر رحب" بعد انتدابه للإشراف على الطاقم الطبي بالفندق رفقة الحكيم إياد أبو دلال، والإداريين ياسر الشامي ومحمد حسين من وزارة الصحة الفلسطينية.

بعد الصبح بقليل، يبدأ أبو شريعة، مهمة متعبة، يتوقف عند الروتين اليومي في متابعة المرضى: "استيقظ باكرًا، ونبدأ بتجهيز الأدوية وأدوات غيار الجروح، والتجوال على كل مريض، كونهم مرضى سرطان، أو أجروا عمليات جراحية للقدم والسكري، فيكون المرور الصباحي لمدة ثلاث ساعات نتعرف على احتياجاتهم والادوية اللازمة، ثم نبدأ بين الظهر والعصر بعد قسط من الراحة بتنفيذ غيارات جراحية للمرضى، كما نجلب – بمساعدة شركات ومتبرعين – أدوية ومضادات حيوية خاصة لا تتواجد بوزارة الصحة لهؤلاء المرضى".

 

مواقف عديدة مرت على أبو شريعة في عمله، هذا الموقف لا يفر من حديثه: "ببداية الحجر وصلت رسالة هاتفية لمسنة لتهنئتها بيوم ميلادها؛ فقمنا بإحضار "قالب جاتوه"، والاحتفال بتلك المناسبة، التي تفاجأت وبدت سعيدة جدا، أحيانا تجد مريضا متوترا فنقوم بتهدئة روعه، تشعر أننا أصبحنا عائلة واحدة".

"الوطنية متجذرة في قلوبنا كشعب فلسطيني تجدها في داخلنا، وأننا مسخرون كأطباء لخدمة أبناء شعبنا ويجب أن نكون على قدر المسؤولية"، أجاب عن دافعهم في قبول العمل، بنبرة بدا عليها الفخر، مضيفا: "بعد رؤية ابتسامة المرضى نهاية كل يوم، تغمرنا سعادة كبيرة، بأننا قدمنا الواجب المطلوب منا تقديمه".

"الطبيب العريس"

عشرة أيام مضت على تواجده ضمن صفوف "الفرقة الثانية" التابعة لوزارة الصحة في مستشفى عزل مصابي فيروس كورونا بمعبر رفح؛ ترك استعدادات وتحضيرات مراسم الزفاف التي لم تكتمل، لأن "نداء الواجب أهم"، على الفور وافق لابتعاثه للحجر فطالما كان يسمع نداء الوطن في غربته لكن المسافات الكبيرة منعته من تلبيته في حروب عدة فهو طبيب عناية مكثفة ودوره مهم، إلا أن هذه المرة المسافة كانت "صفرا" مع عدو وفيروس غير مرئي، أوكلت إليه مسؤولية كبيرة بمعالجة المصابين، فكان طبيبا ماهرًا في وصف العلاج والأهم دعمهم نفسيَّا.

 لكن كانت للحظات الأولى رهبة، قد عاش طبيب العناية المركزة في مشفى "العزل" برفح د. محمد أبو عريبان تفاصيلها، ثم انخرط في مداواة المصابين، تجربة وكواليس عمله استمعت صحيفة "فلسطين" إليها عبر الهاتف.

 احتكاك مباشر يعود أبو عريبان لأول يوم له في العمل قائلا: "الاصطدام مع الحالات المصابة والاحتكاك المباشر بها يجبرك على القلق في أول لحظة".

 يعمل أبو عريبان ضمن "الفرقة الثانية" بعد أن انتهت الفرق الأولى من العمل لمدة "أسبوعين"، وهو سينتهي عمله الأحد القادم، لكنه سيذهب للحجر الصحي للتأكد من سلامته، ولا يعرف إن كانت الظروف ستسمح له بإتمام مراسم زفافه في منتصف يونيو/ حزيران القادم، أم أن الموعد سيؤجل إلى وقت لاحق.

 داخل مستشفى العزل يكاد المشهد يكون روتينيا، حالات معزولة داخل الغرف، الطبيب أبو عريبان يوميَّا يراقب مدى التغيرات الصحية الحاصلة، من خلال صور الأشعة والتحاليل، مضيفا: "هناك طاقم يمضي 24 ساعة بجانب المرضى حتى يشعروا بالراحة، وبأن هناك من يتابع حالتهم، ثم يذهب الطبيب للراحة ويأتي طبيب آخر متواجد بغرفة سكن الأطباء بجانب غرف المصابين داخل المستشفى ذاته".

"الحجر أبعدني عن تجهيزات مراسم الزفاف، الآن شغلي الشاغل موضوع تجهيز الشقة".. رغم أنه لا يستطيع متابعة تلك التحضيرات إلا أنه يحاول متابعة أعمال بناء وتجهيز شقته مع اقتراب موعد الزفاف عن طريق الهاتف من صور العمل التي تصله ليبدي رأيه بها، لا يخفي صعوبة ذلك: "تشعر أن الأمر متعب، بخلاف ما تتم التجهيزات تحت عينك، خاصة أن الموعد يقترب وهناك فترة حجر احترازية سأمضيها". يحرر كلماته من داخل العزل، معبرا عن شوقه لعائلته بصوت يتمنى أن يصل صداه لوالده: "كطبيب اغتربت لتعلم الطب في السودان، وبعد عودتي لغزة معظم وقتي في العمل ثم المكوث عند والدي والأهل والجيران".

4 ملايين مرتاد

بالرغم من الحصار الظالم الممتد على قطاع غزة بشكل عام وعلى وزارة الصحة بشكل خاص والذي يلقي بظلاله الثقيلة على كل مناحي الحياة الاجتماعية منها والصحية، فقد استطاعت وزارة الصحة، حسب تقرير إحصائي لخدماتها المقدمة خلال عام 2019م، صادر عن مركز نظم المعلومات فيها.

فقد تعاملت مع أربعة ملايين حالة، بمعدل 345,000 شخص شهرياً حيث زار مراكز الرعاية الأولية مليوني شخص، بينما زار أقسام الطوارئ في المستشفيات 1,380,000، فيما زار العيادات الخارجية للمستشفيات 715,000 شخص، وقامت الوزارة بإجراء أكثر من 53,000 عملية جراحية متنوعة وذلك رغم شح الإمكانيات، منها نقص في الأدوية فاقت نسبتها 52 % والمستلزمات الطبية.

 

يظهر التقرير أن الوزارة، استطاعت تنفيذ عدد من المشاريع بشكل كامل تقدر قيمتها بأكثر من 12,000,000 دولار، وتدريب 1200 متدرب في شتى المجالات، كما أنه تم إجراء الكثير من العمليات النوعية، ومن أبرزها الاستمرار في عمليات زراعة الكلى والتي بلغ عددها لهذا العام 32 عملية جراحية، واستطاعت الوزارة ابتعاث 66 مبتعثا داخليا وخارجيا

اخبار ذات صلة