قائمة الموقع

"آخر مرة تراهم".. مبدأ يأخذ العلاقات نحو الأفضل

2017-03-23T09:55:47+02:00

من أصعب المشاعر التي قد تصيبك، الندم على انشغالك عن إنسان لجأ إليك، وقبل أن تجبر خاطره، يصل الخبر بأن روحه قد صعدت لبارئها، فأي مشاعر وقتها ستنتابك؟ خاصة أنها دقت باب قلبك متأخرًا، فلا يسعك في هذه اللحظات سوى محاسبة النفس ومعاتبتها، لذا ينصح البعض بأن يكون التعامل مع الناس قائمًا على مبدأ "آخر مرة تراهم"، أي أن يحسن الفرد معاملة غيره كما لو كان يراه للمرة الأخيرة ومن ثم سيفقده.. هل يمكن لهذا المبدأ أن يحسن شكل التعامل مع الآخرين؟ ويأخذ العلاقة معهم إلى الأفضل؟ وكيف تؤثر مشاعر الندم في الإنسان؟ هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي.

مشاعر متأخرة

تغيّر مسار جلسة عائلية كانت تسودها المحبة والسمر، وتعكرت هذه الأجواء بعدما وقعت مشادة كلامية بين "عثمان" وأخيه الذي يكبره ببضع سنوات، فما كان منه إلا أن يسترد حقه أمام الجميع حتى لا يُشعرهم بأن الصغير جناحه ضعيف، من خلال كلمة وجهها إليه على مسامع الجميع لتحدث صمتًا في المكان.

وبعد هذا الموقف تغيرت معاملة أخيه له، إذ لم يكن يتوقع ما حدث، ولاحقًا أُصيب بمرضٍ جعله يقضي عدة أسابيع في المشفى، ورغم أن "عثمان" لم ينقطع عن زيارته، إلا أنه شعر أن أخاه مكسور الخاطر لما فعله معه، فكان يقف إلى جوار رأسه منتظرًا استقرار حالته ليعتذر له، ويحصل على السماح منه، ولكنه فارق الحياة قبل الاعتذار.

وقال عثمان: "أصعب شيء أن تسيطر عليك مشاعر الندم بينما ليس في اليد حيلة، لتعيش في حالة تأنيب للضمير، وتحاسب نفسك على ما اقترفته بحق الآخرين، خاصة عندما تربطك بمن أسأت له علاقة الدم"، مضيفًا أن "النفس تستصعب في وقت الحدث أن تتعامل مع الآخرين وفق مبدأ (آخر مرة تراهم)، لتسامح وتعفو عن حقها، ولكن الأمر يمكن أن يحدث بالتدريج وبمرور الأيام".

حسن المعاملة

بينما عبير يونس (32 عامًا)، قالت: "من الصعب جدًا أن تصيبك مشاعر الندم تجاه أشخاص فارقوا الحياة الدنيا، فوقتها ينطبق عليك (يوم لا ينفع الندم)، لأنه لم يعد هناك مجال للتعديل والاعتذار والمسامحة".

وأضافت: "لذلك يجب على الإنسان أن يحسن معاملته مع الجميع، وخاصة مع أقرب الناس له، وإذا قرر القيام بشيء جيد للآخرين فلا يؤجله، ولا يحمل الأمور أكثر من حجمها، بل يعيش الحياة على بساطتها، ويلتمس الأعذار للناس".

وتشير إلى قريبة لها ندمت على سوء معاملتها لحماها وحماتها بعد وفاتهما، إذ تذكرت مواقف كثيرة لهما كانت تنمّ عن حسن تعاملهما معها، ولكنها لم تكن ترى في حياتها معهما إلا للجانب المظلم.

بعد الفقد

وفي هذا السياق، قال الأخصائي النفسي إسماعيل أبو ركاب: إن المفاهيم المجتمعية والدينية تلعب دورًا كبيرًا في تعاملات الناس، سواء في التعديل الإيجابي أو السلبي، فلذلك فإن شدة الأعراض الناتجة عن الخصام والجفاء من الممكن أن تستمر لفترة طويلة إذا لم يكن هناك رادع لتعديل ذلك السلوك، ولهذا السبب نهى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي المسلمين عن القطيعة لأكثر من ثلاثة أيام.

وأضاف أن بنية الإنسان مركبة من أفكار ومشاعر وسلوكيات، فإذا كوّن فكرة سلبية عن شخص، فإنه يراه دومًا من خلالها، ويتعامل معه وفقًا لهذه النظرة، ولهذا الأمر انعكاسات سلبية على السلوكيات مثل القطيعة والبعد والجفاء.

وتابع: "التعامل مع الناس وفق مبدأ (آخر مرة تراهم) ليس من السهل على الجميع التعامل به، خاصة أن لكل شخص هدفًا من الحوار والتقاء المصالح، وهذا له دور كبير في تحديد حجم العلاقة".

وبحسب أبو ركاب: "أحيانًا لا نرى محاسن الآخرين إلا عند الفقد، ربما يحدث ذلك بفعل ضغوطات الحياة وزيادة الأولويات الاجتماعية وتأثرها ببعض العوامل الخارجية".

ونوه أبو ركاب إلى أن فقد إنسان، حتى وإن كانت العلاقة معه علاقة عداوة، يُعد أكبر قامع للمشاعر السلبية، لأن الإنسان لا يتمنى أي مكروه لعدوه أكبر من الموت نفسه، فلذلك عند حدوث الفراق بسبب الوفاة فإن الشخص المقابل سرعان ما ينسى الخلاف الشخصي السلبي، ويتذكر محاسن الفقيد، وربما يتجه نحو الندم ومحاولة إصلاح ما تم تدميره.

وبيّن أن التخلص من مشاعر الندم يرجع لطبيعة السبب الذي أدى للخصومة، ومقدار المصلحة الشخصية، وهنا لا يُقصد المصلحة المادية بل المصلحة المعنوية، وهي مرتبطة بالصداقة والقرب الروحي، لذا فالأيام كفيلة بأن تهدمه الجفاء كما بنته، وعلى من يشعر بالندم أن يسعى لعمل أي شيء إيجابي قبل فوات الأوان ليشعر بالراحة.

وختم أبو ركاب حديثه: "بشكل عام، الشعور بالندم هو شعور إنساني نبيل، لا يشعر به الجميع، وهو يرجع إلى حجم العلاقة السابقة مع الشخص، فالحدة والشدة التي يتعامل بها البشر لها الكثير من المحددات المتعلقة بطبيعة الشخصية، وبالقرب والبعد عن ذلك الشخص وطبيعة الفقد نفسها".

اخبار ذات صلة