الناظر في تاريخ العلاقة السعودية الفلسطينية، وعلاقة السعودية بعموم قضايا الأمة العادلة، سوف تعتريه الصدمة، وتسكنه الدهشة، من خطوة السلطات السعودية اعتقال الدكتور محمد الخضري وعشرات الفلسطينيين والأردنيين، بتهمة دعم "كيان إرهابي"، في إشارة إلى حركة حماس والمقاومة الفلسطينية.
سببان للدهشة، أولهما أن الاعتقال يتناقض مع دور المملكة التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. والسبب الثاني أنه يخالف مصلحة المملكة العربية السعودية نفسها.
إن المملكة، ومنذ نشأتها، رفضت الاستيطان الصهيوني، ثم وقفت ضد قيام كيان إسرائيلي. ومراسلات الملك عبد العزيز مع الرؤساء الأميركيين تثبت هذا الموقف. الموقف السعودي تجلى أيضًا رسميًا وشعبيًا مع إرسال مجموعات سعودية من الجيش السعودي والمتطوعين للقتال ضد العصابات الصهيونية عام 1948، وعانق دم شهداء سعوديين تراب فلسطين.
استمر هذا الدعم بالخمسينيات، والستينيات، حين أمدت السعودية الفصائل الفلسطينية بالدعم الوفير الذي سمح لها بتطوير قدراتها، وخصوصًا الملك فيصل الذي تبنى القضية الفلسطينية بشكل كامل. وبعد عدوان عام 1967 توجه الملك فيصل للقمة العربية وصالح مصر، لشعوره بوجود عدو مشترك. ولا يمكن لأحد أن يتجاوز قطع إمدادات النفط عن الدول الغربية، ثم دعم منظمة التحرير الفلسطينية بـ 250 مليون دولار سنويا، وعلى مدى عشر سنوات، لمواجهة سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجتها (إسرائيل) بالضفة الغربية، في النصف الثاني من السبعينيات.
ومع انطلاقة حركة حماس، هب الشعب السعودي، المعروف بحبه لفلسطين، ليدعم المقاومة الفلسطينية، وكانت المساجد في السعودية الداعم المالي الأساسي للمقاومة الفلسطينية. وبدت السلطات السعودية منسجمة في هذا كله مع تطلعات شعبها.
وعلى رغم الكثير من محاولات الإجابة عن الأسباب الحقيقية التي جعلت السلطات السعودية تبتعد عن خياراتها التاريخية وتعتقل الدكتور محمد الخضري والعشرات غيره، إلا أن السؤال يبقى قائمًا: لماذا فعلتها السعودية؟
"لماذا" لم تقنعها كل الأجوبة، لأن الفوائد السياسية والاستراتيجية التي يمكن أن تجنيها السعودية من دعم المقاومة الفلسطينية أكبر من أن تُحصى. دول كثيرة في العالم تتقاتل من أجل أن تحمل سارية العمل الفلسطيني، لأنه لا دخول للعالم العربي من دونه، فكيف تسقطه السعودية من يدها؟
سعودية بعلم فلسطيني تألف ألوانه، هي أقوى بكثير من سعودية مجردة من قضية لا يختلف عليها عربيان. دولة بعلم فلسطيني أقوى أخلاقيا وسياسيا واستراتيجيا، فلماذا يُعتقل الخضري المُصاب بالسرطان، والذي كان دومًا قريبًا من القيادة السعودية؟ لم يتدخل يومًا بالشؤون السعودية الداخلية، بل كان يهمه أن تبقى السعودية رائدة في العالم الإسلامي لما تمثل من موقع ودور. وهذا فيه نفع للقضية الفلسطينية وللسعودية والعالم الإسلامي أجمع. فلماذا فعلتها السعودية؟