"عندي ألم كبير؛ بدي حبة أكامول".. داخل سجن "الدامون" تطلب الأسيرة إسراء جعابيص من إحدى السجّانات بصوت مصحوب بالوجع؛ مساعدتها بتسكين وجعها، إلا أنّ الأخيرة دفعتها: "روحي من هان.. بس يجي الدكتور الأسبوع الجاي بنحكيله".
ما حدث مع إسراء، يجسد سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى، فحبة الأكامول التي طالبت بها هي الخيار المتاح لكل الأسرى.
أمام تجاهل الاحتلال إجراء عمليات جراحية لفك الجروح التي لا زالت ملتصقة بجسدها منذ أربعة أعوام، وكذلك المماطلة عند إجراء عمليات جراحية لنحو 700 أسير مريض، فإن الخطر يتهدّدهم جراء انتشار فيروس "كورونا" داخل دولة الاحتلال، واقترابه من السجون بعد إصابة عدد من السجانين والمحققين والأطباء الإسرائيليين به، معه زادت النداءات الضاغطة على الاحتلال للإفراج عنهم، لكن دون استجابة.
صرخة "جعابيص"
تبدي منى جعابيص خوفها على حال شقيقتها إسراء؛ مع منع الاحتلال زيارات الأهل والمحامين للسجون، وتقول لصحيفة "فلسطين": إن "إسراء –المقطوعة أخبارها الآن- كانت قبل أزمة فيروس "كورونا" تتلوى من الوجع والألم والانتظار والمطالبة بحبة "أكامول"، فضلاً عن الألفاظ الجارحة التي توجه إليها، من السجانين، والبصق عليها ونعتها بصفة "مومياء".
بداخل قسم الأسيرات في سجن "الدامون"، يجب على الأسيرات السير خمسين مترًا خارج غرفتهن للوصول لدورة المياه، التي لا يغلق بابها، تحتار كلمات جعابيص في وصف معاناة شقيقتها، قائلة بنبرة غاضبة: "تخيل، أنه في عز الشتاء تكون مياه الاستحمام باردة جدا، وصلتني معلومة مؤكدة من داخل السجن أنه مليء بالقوارض وقدمت الأسيرات شكوى لكن لا حياة لمن تنادي، وإسراء تعاني من قلة العلاج والاهتمام".
وتضيف منى: الاحتلال لا يزال يتجاهل مطالباتنا بإجراء عمليات حيوية وتجميلية لإسراء، للأنف والفم، فهي لا تستطيع الأكل، وعمليات لفك الحروق من عناقيد الأصابع، لعلاجات لأسنانها، لفك التصاق الأذنين بالجلد، وبرقبتها من الخلف.. ولا أبسط حقوق الإنسانية.
"رباعية" الخطر
في سجن "عسقلان"، لم تشفع السنوات العشرون التي أمضاها الأسير المريض ياسر ربايعة (46 عاما)، وإصابته في سرطان "القالون" واستئصال جزء من الكبد، وحالته الصحية الصعبة أن يتم الإفراج عنه، إذ إن وصول فيروس "كورونا" إلى السجن يهدد حياته بشكل مباشر.
"احنا أكتر شيء متخوفين منه إصابة السجانين اللي حوليهم".. صرخة زوجة ربايعة تلك في حديثها مع صحيفة "فلسطين" تتزايد لأن السجون لم تكن سابقًا بيئة صالحة لأدنى مقومات الحياة وهي تفتقر اليوم لأدنى مقومات حماية الأسرى من الفيروس، فتقول: "السجون ليست آمنة ومكتظة، نخشى انتقال العدوى للأسرى من السجانين، أحيانا يخرجونه للمستشفيات لإجراء فحوصات".
"منذ سبع سنوات وأنا ممنوع من زيارة أبي".. كلمات ممزوجة بالخوف قالها جعفر نجل الأسير فواز بعارة من مدينة نابلس، بعدما قامت إدارة سجون الاحتلال بنقله من عيادة سجن الرملة الأسبوع الماضي، لسجن "جلبوع".
يقول بعارة عبر الهاتف لصحيفة "فلسطين": في عيادة سجن الرملة لا تقدم أي علاجات فكيف سيقدم له العلاج في السجن، خاصة أن أبي المعتقل منذ 2006م مصاب بالسرطان، وفي الفترة الأخيرة أمضى خمسة أشهر في "الرملة"، متسائلا: "لماذا لا يتم الإفراج عنه فوضعه خطير؟".
وبحسب المعطيات الفلسطينية، يوجد نحو 700 أسير مريض، منهم 18 أسيرًا بعيادة سجن الرملة يعانون أمراضًا مزمنة ومرض "السرطان".
وباء متفشٍّ
من جانبه، قال المتحدث باسم نادي الأسير عبد الله الزغاري: إن الخطر والوباء المتفشي بداخل المجتمع الإسرائيلي وإصابة عدد من السجانين يهدد الأسرى، وأن الاحتلال لا يتخذ تدابير جادة بتوفير ما يلزم من أجل حمايتهم فلم يوفر مواد تنظيف ومعقّمات.
وأضاف الزغاري لصحيفة "فلسطين" بأن الأسرى المرضى بعيادة سجن الرملة يعيشون حياة وظروفًا اعتقالية غاية في الصعوبة في ظل افتقارها لكلِّ مقومات الحياة الانسانية، ولا يتلقون العلاج، كما حال الأسرى في مختلف السجون بحاجة لمتابعة طبية.
مدير مركز الدفاع عن الحريات حلمي الأعرج، من ناحيته قال: إن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل المطالبات والضغوطات بالإفراج عن الأسرى المرضى، مما يتعين على المجتمع الدولي تحميله المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى.
وأشار الأعرج في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن المركز نقل مطالب الأسرى لوزير "الأمن الداخلي" الإسرائيلي، وتتضمّن الإعلان عن الخطوات التي اتخذتها سلطات الاحتلال لحماية الأسرى من الفيروس، وإجراء الفحوصات لهم، وعزل السجانين، وإطلاق سراح الأسرى المرضى الذين يشكل الفيروس خطرا كبيرا على صحتهم.