ظهر زعيم حماس يحيى السنوار في لقاء تفاعلي متحدثا في عدد من الملفات، ومرسلا العديد من الرسائل الساخنة، ونقف هنا لتفكيك كل ما يتعلق بالتهديدات التي أطلقها تجاه العدو، التي خص بها وزير الحرب الإسرائيلي (نفتالي بينيت)، متوعدا بأخذ كل ما يلزم شعبنا في غزة (خاوة) رغم أنف العدو، ومهددا بكتم أنفاس ستة ملايين مستوطن حال منعت أجهزة التنفس والاحتياجات الطبية عن غزة.
فهل كان يقصد السنوار ما يقول؟ وفي أي سياق يمكن فهم هذه التهديدات؟ وكيف يتعامل العدو معها؟ وما السيناريو المتوقع؟
من الواضح أن الوقت الذي خرج فيه السنوار للإعلام دقيق جدا، حيث نشهد أحداثا دراماتيكية غير مسبوقة، فالعالم يخوض غمار مواجهة قاسية مع وباء عالمي، يتفشى ويفتك بالبشر بطريقة قاسية ومفجعة، والأراضي الفلسطينية أصيبت كذلك بهذا الوباء في وقت حرج يمر به القطاع، حيث الحصار والإغلاق، وتوقف العديد من المنشآت والمرافق، ومنها وصول القطاع الصحي في غزة إلى أدنى سلم القدرة والعجز.
في ظل شح الإمكانات، والمعدات الطبية، ومنع دخول أصناف مختلفة من الأدوية، والاستهداف المتكرر للأطقم، فالخطر لا يزال قائما حال تفشى الوباء في قطاع غزة ما يجعل من الصعب احتواؤه، في ظل وجود ما يقارب (96) جهازا للتنفس الصناعي بالقطاع الذي يقطنه نحو مليوني نسمة.
ويبدو أن (ميكانيزما) هذا الرجل مختلفة تماما، فلديه إيقاع خاص لتصرفاته، وسلوكه القيادي، فخبرته وتمرسه ما بين العمل الطلابي، والأمني، والفدائي، ثم الفترة الطويلة التي قضاها في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى إمكانات فطرية تكونت منذ ولادته تجعل الرجل (شخصية فولاذية) لا يمكن صهرها بالتهديدات، أو تغيير مسار سياساتها تحت حرارة الضغط.
هذا بدوره يجعلنا موقنين أن الرجل ذاهب في مرحلة ما، وفي ذروة الخطر الحقيقي إلى أبعد مدى في تنفيذ تهديداته تجاه العدو، ليجعل وزير الحرب الإسرائيلي في موقف صعب، بعد أن ظهر كالدمية المنفوخة يتوعد ويساوم غزة بربط إدخال المساعدات بأي تحسن يطرأ في ملف الجنود الأسرى لدى حماس، فجاء زعيم حماس يضرب الطاولة من جديد، ليستفيق قادة العدو ويكبحوا جماح أمانيهم، ويتوقفوا عن حالة الاستعراض.
ففي (إسرائيل) تدرك القيادة السياسية والأمنية أن السنوار يعي ما يقول، وأنه يمسك بطرف الفتيل، ويمكنه إشعال المنطقة، بل ربما تكون لديه (خطة درج) تنتظر فقط إعطاء الأوامر. الرجل لم يتردد في ذكر (محمد الضيف) القائد العام للقسام، وأن الضيف أعطى القرار لتكون كل مقدرات الكتائب جاهزة لخدمة سكان القطاع، الأمر الذي يشي بأن الجناح المسلح لحماس متأهب لسيناريوهات قادمة يشير إليها السنوار.
فـ(إسرائيل) تجد نفسها مرغمة على التعاطي مع هذه التهديدات، فأمثال هؤلاء القادة لم يرتدعوا ويمكن أن يتخذوا خطوات جنونية قد تربك المشهد الإسرائيلي برمته، وهنا لا سبيل سوى البحث عن مهدئات لخفض مستوى الأخطار، لذلك في الداخل الإسرائيلي لا يحتملون مزيدا من المفاجآت، ما يدفعهم لتفعيل الوسطاء وتمرير مطالب غزة بطريقة أو أخرى، لتفادي معايشة كابوس مفزع تسود فيه صفارات الإنذار في أرجاء المدن والمستوطنات، بعد أن تنهمر الصواريخ القادمة من غزة، ما يفاقم الأزمات الإسرائيلية التي تطفو على السطح.