يبدو أن عمليات جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" لا تقتصر فقط على عمليات التجسس والمراقبة، وجمع المعلومات وزرع العملاء، وتنفيذ المهام وتصفية الشخصيات في الخارج، وخلق البلابل وصناعة الفتن، وإشعال فتائل الحروب الأهلية والصراعات الطائفية، وتوريد الأسلحة وتدريب المليشيات، وسرقة المعلومات ونشر المخدرات، ومحاربة العلماء وقتل الطلاب النجباء، وغير ذلك من العمليات الأمنية التي تختص بها أجهزة المخابرات الخارجية لمختلف الدول القوية، التي تتشابه تقريبًا في مهامها، ولكنها تتمايز في قدراتها وتختلف في إمكانياتها، إلا أن اهتماماتها تكاد تكون واحدة، وقد تتقاطع جهودها وتشترك فرقها الأمنية ومجموعاتها التنفيذية، وتتعاون جميعًا فيما بينها لإتمام مهامها، أكثر بكثيرٍ من منافستها لبعضها البعض.
لا تقتصر عمليات "الموساد" على المهام التقليدية السالفة الذكر فقط، وإن كانت قد برعت ونجحت في كثيرٍ منها، حيث تنشط خلاياها الأمنية في مختلف الساحات القريبة والبعيدة، والعدوة والصديقة، بصورةٍ سريةٍ غالبًا وعلنيةٍ أحيانًا، بل أخذت على عاتقها تنفيذ عشرات العمليات النوعية الأخرى المختلفة، التي تحدد الحالةُ الراهنةُ والمرحلةُ الزمنية مستوى خطورتها ودرجة أولويتها ومدى أهميتها، ومدى حاجة الكيان الصهيوني العاجلة لها، وقد لا تكون المهام أمنية في طبيعتها، أو سريةً في حاجتها، ولكن تنفيذها ليس سهلًا أو قد لا يكون ممكنًا.
لهذا يلجأ رئيس حكومة الكيان الصهيوني وفق تقديره الشخصي، في حال عجز المؤسسات الرسمية المختصة، إلى تكليف جهاز الموساد بها، لما يتميز به عن غيره من المؤسسات الحكومية من قدراتٍ كبيرة وعلاقاتٍ أمنية واسعةٍ، وتجربةٍ عمليةٍ عميقةٍ، ودرايةٍ فنيةٍ غير قليلة، فقد أشرف جهاز الموساد على عمليات ترحيل آلاف اليهود الأفارقة واليمنيين وغيرهم، وتمكن من خلال عقد جسورٍ جويةٍ مموهةٍ تمر في أكثر من دولةٍ، من نقل المهاجرين اليهود بأمنٍ وسلامٍ إلى فلسطين المحتلة، ومن غير المستبعد أن يكون قد تعاون في هذا الشأن مع أجهزة مخابرات دولية وأخرى عربية لضمان نجاحه في مهمته، وفي المقابل فإنه يزود المتعاونين معه بالمعلومات التي يريدون، وينقل إليهم الخبرة والتجربة التي يحتاجون.
اليوم وفي ظل تفشي فيروس كورونا وتزايد مخاطره واتساع نطاقه، الذي اجتاح الكيان الصهيوني بصورةٍ مخيفةٍ، وتسبب في إصابة قرابة أربعة آلاف مستوطنٍ إسرائيلي، توفي ما يزيد على العشرة منهم، في حين أن إصابة عشراتٍ آخرين حرجة، ظهرت الحاجة الماسة في مختلف المستشفيات والمراكز الطبية والصحية الإسرائيلية، إلى أجهزة تنفس اصطناعية، وأجهزةٍ ومعداتٍ ومستحضرات فحص المرضى المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، وهو ما لا يتوفر بالكميات الكافية لمواجهة الوباء والتصدي له، ما أدى إلى عجز المستشفيات وشكواها، فلجأت حكومة الكيان إلى تكليف جهاز الموساد بشخص رئيسه يوسي كوهين، بتوفير المطلوب للمستشفيات من مختلف الأجهزة والمعدات، وهو ما تم بالفعل بسرعةٍ كبيرةٍ وخلال فترةٍ قصيرةٍ، بغض النظر عن مدى ملائمة الأجهزة والمعدات لشروط الفحص الطبي الدقيق، إلا أنه تمكن من توفيرها من مصادر مختلفة، ذكرت بعض وسائل الإعلام أن أغلبها من دولةٍ خليجية.
لا يستبعد المراقبون الإسرائيليون للأجهزة الطبية التي جلبها الموساد الإسرائيلي بطائرة خاصةٍ، سرقها أو هربها، أو يكون قد تعاون بشأنها مع عصاباتٍ دولية، وشبكات الإجرام العالمية، لضمان حصوله على ما يريد من أجهزةٍ ومعداتٍ، وهو الأمر الذي يذكرنا بشحنة اليورانيوم المخصب التي هربها الموساد الإسرائيلي من أوروبا منتصف خمسينيات القرن الماضي، التي تعاون بشأنها مع عصابات المافيا الدولية، بالإضافة إلى صفقات الأسلحة التي اشتراها من تشيكوسلوفاكيا بالتعاون مع العصابات الدولية، وعناصر أجهزة المخابرات الأوروبية التي تعمل بالمال وتنفذ بمقابلٍ مادي.
يدرك الإسرائيليون أنهم يعيشون مأزقًا حقيقيًا يستهدف وجودهم أكثر من غيرهم، ويضر بهم أكثر من سواهم، فهم يخافون على حياتهم في فلسطين المحتلة، ويقلقون على سلامة مستوطنيهم، ويدركون أن جائحة كورونا قد تقضي على المئات أو الآلاف منهم، وفي حال وقع هذا المحظور فإن مشروعهم الاستيطاني سيكون في خطرٍ شديدٍ، وسيتعرض كيانهم لهزةٍ عنيفةٍ وسقطةٍ كبيرة.
فكيانهم الاستيطاني يقوم على المستوطنين، وبغيره لا يستقيم حالهم ولا يطول وجودهم، وهم في المنطقة والعالم كله أقلية غير كبيرة، ومجتمع مغلق على نفسه وغير منفتحٍ على غيره، وأي اهتزازٍ أو اضطرابٍ في التمثيل السكاني، أو زيادة في عدد الموتى من الجنسين ومن مختلف الفئات العمرية، سيلحق بهم ضررًا كبيرًا وبكيانهم خطرًا يفوق الحروب بكثيرٍ، ويمهد حسب اعتقادهم في العقد الثامن الملعون، الذي فيه يزول حكمهم، ويتفكك كيانهم، وتنتهي أحلامهم التوراتية والتلمودية.
لا يستنكف الموساد القيام بأي مهمةٍ تمليها عليه حكومته، ويشعر أنها تخدم مصالح كيانه، وتحفظ أمن وسلامة مستوطنيه، ولا يتردد في اللجوء إلى كل الوسائل القذرة والآليات المحرمة، أو السبل المشبوهة والعصابات المأجورة في سبيل الوصول إلى غاياته وتحقيق أهدافه، ولو كانت على حساب الآخرين أو تضر بهم ولا تنفعهم، فهذه هي طبيعتهم العنصرية التي عرفوا بها، وفطرتهم الخبيثة التي جبلوا عليها.