لطالما كان جلوس الأطفال في المنزل معضلة لدى كثير من الأسر، فذلك قد يعني صراخًا، ومشاجرات، وعراكًا بالأيدي، وغيرها كثير من الأمور التي تجعل بقاء الطفل في المنزل أمرًا غير مستحب بتاتًا، خاصة إلى الأمهات.
ترنيم صالح أم لخمسة أطفال تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام و14 عامًا، بمجرد إعلان تعليق الدوام المدرسي للوقاية من فيروس كورونا المستجد المنتشر عالميًّا، بدأت معاناتها مع أطفالها الذين لا يتوقفون عن الحديث، والشجار، والصراخ في بعض الأحيان؛ وفق حديثها مع صحيفة "فلسطين".
تقول: "كانت بداية جلوسهم في المنزل كارثة علي، ولكن رفضت أن أبقى حبيسة هذه الأجواء، فعملت مع والدهم على ترتيب نظام حياتهم بحيث ينشغل كل فرد فيما يحبه".
وتضيف: "كان الأمر صعبًا في البداية، ولكن توجيه أطفالي إلى الاستمتاع وممارسة هواياتهم سهل الأمر بعد ذلك، كما عملت على توفير بعض المستلزمات التي تساعدهم على ممارسة هواياتهم".
أما محمد بركة فلديه طفلان لم يتجاوزا من العمر 10 أعوام، لكن صغر حجم عائلته لا يعني قلة المتاعب التي يسببها طفلاه، فهما يحبان اللعب دائمًا في الشارع مع أبناء حارتهما.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "إن التعامل مع الأطفال الذكور أصعب من الإناث، لذلك كان علي توفير بعض الأشياء التي تجعلهما يرغبان بالجلوس في المنزل والتخلي عن فكرة اللعب في الشارع، وهذا ما حصل بعد توفير بعض الألعاب الخاصة بهما".
وحمل بركة عددًا من الأفلام الخاصة بالأطفال، وبعض الألعاب الإلكترونية، وخصص وقتًا معينًا ضمن ساعات النهار لمشاهدتها ولعبها، لافتًا إلى أن هذا الأمر كان مردوده إيجابيًّا، فأصبح الطفلان هادئين ولا يرغبان في اللعب بالشارع
عوامل جذب
الاختصاصي النفسي والاجتماعي د. درداح الشاعر أوضح أن وجود الطفل في المنزل دون أي مشاكل مرتبط بإيجاد عوامل جذب وترفيه له، وبذلك إن أي نشاط خارج عن حدود السيطرة يعود إلى عدم وجود راحة أو رغبة بالوجود في هذا المكان.
وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يقول الشاعر: "إن الطفل يهرب ويخرج من أي بيئة بسبب عدم توافر ما يجذبه إليها، أما إذا وفر الأهل فيها احتياجاته المختلفة بشكل منظم فإن عملية المشاغبة والصراخ ستكون أمرًا نادرًا".
ويضيف: "إن أي بيئة قادرة على إشباع حاجات الإنسان أو الأطفال فإنه لا يمكن أن يفارقها، أما إذا كانت البيئة منفرة ولا يتوافر فيها احتياجات الإنسان أو الطفل فإنه لن يكون قادرًا على البقاء فيها".
ويشير إلى أن على الأهل العمل على توفير حاجات الطفل التي يجب إشباعها لكي يبقى في المنزل، مبينًا أن أولى هذه الحاجات هي الحاجة للطعام والشراب، أما الثانية فهي الحاجة إلى الحب والعاطفة والدعم النفسي للأطفال من الوالدين.
ويلفت الشاعر إلى أن البيت المليء بالصراخ، والضجيج، وتصدع العلاقات الاجتماعية -خاصة بين الوالدين- هذا يدفع الأطفال للمشاغبة، أو الهرب من المنزل إلى الشارع، للبحث عن بيئة تلبي بعضًا من حاجاتهم.
ويذكر أن من الحاجات اللعب والترفيه، فيمكن للأهل توفير بعض الألعاب البسيطة التي يمكن ممارستها في المنزل، مثل لعب كرة القدم في منطقة فارغة بالبيت، وبعض الألعاب التي تعتمد على التفكير أو الكلام أو المشاركة بين الأطفال.
وينبه الشاعر إلى ضرورة توزيع الحاجات الخاصة بالطفل على اليوم بأكمله منذ ساعة استيقاظه حتى نومه، فهذا كفيل بأن يجعله منشغلًا منذ الصباح حتى ساعات المساء دون أن يكون هناك مجال للمشاغبة والصراخ، أو العراك مع إخوته وباقي أفراد الأسرة.
ويرى أن وجود الأطفال في المنزل فرصة ثمينة للأب للتعرف إلى أطفاله أكثر، والتحدث إليهم والجلوس معهم، والاستماع إلى مشاكلهم والمساهمة في حلها، بدلًا من أن تكون هذه المسئولية ملقاة على الأم وحدها.
ويختم الشاعر: "إن تجمع العائلة بمكان واحد في أجواء نفسية مرتاحة دون أي مشاكل له أثر نفسي إيجابي كبير على الأطفال والعائلة بأكملها، لذلك على الوالدين توفير هذه الأجواء واستثمارها من أجل أن تنعكس على أطفالهما بعد ذلك".