تعاني الأم العاملة من افتقاد كثير من التفاصيل التي تعيشها غيرها من الأمهات مع أبنائهن، ونتيجة لهذا الواقع، يحدث أن يتعلّق الأطفال بجدّاتهم أو عمّاتهم أو خالاتهم ممن يبقون معهم لساعاتٍ طويلة، إن كانت أمهاتهم تتركهم في بيت الجد والجدة في وقت عملها، هذا التعلق غالباً ما يكون سبب ألم بالنسبة للأمهات، لكونهن يشعرن أنه إحدى العلامات السلبية لتركهن صغارهن للتوجه إلى العمل، وإضافةً إلى الألم، ثمة أمهات يشعرن بالغيرة، ويعتبرن أن حب الأبناء حقٌ حصري لهن لا ينبغي أن يذهب لغيرهن، خاصةً أن وظائفهن هي المتسبب الأول في هذه الحالة.
نتيجة منطقية
تقول الموظفة، والأم لطفلة واحدة "مي عبده": "عملي يتطلب مني البعد عن ابنتي لنحو ثماني ساعات يومياً، أتركها خلالها عند حماتي وبناتها، وذلك منذ نحو عامٍ عندما كان عمرها ثلاثة أشهر، أي أنها كبرت بين أيديهن، ولذا فمن الطبيعي أن تكون متعلقة بهن جداً".
وتضيف: "ما يزيد تعلّق ابنتي بجدّتها أنها حنونة للغاية، تلعب معها طوال ساعات وجودها عندها، حتى أنها تترك أعمالها المنزلية لتتفرغ لها"، متابعةً: "عندما أكون أنا وحماتي في نفس المكان، تتركني ابنتي لتذهب إلى جدتها، تداعبها بحركاتها الطفولية إلى أن تنام في حضنها".
وتتابع: "أتأثر كثيراً بهذه الحالة لاعتقادي بأن عملي هو السبب في بعدها عني، ولكني أهوّن على نفسي بأنني لا أتركها إلا من أجلها، لكي أوفر لها ما تحتاجه من مقومات الحياة الكريمة، وفي الوقت ذاته لا أشعر بالغيرة مطلقاً من حماتي وبناتها، فأنا مقتنعة بأن تعلّقها بهن حالة طبيعية ونتيجة منطقية لوجودها معهن في ساعات غيابي".
فقط لأنها أمي
نفس التقبل لواقع الأم العاملة مع أبنائها تتحدث عنه "ناهدة خضير"، ولكنها تربطه بأن أبناءها يتعلقون بأمها وليس حماتها.
وتقول: "أبنائي الثلاثة ربّتهم أمي وأخواتي، فأنا أتركهم في بيت أهلي عند توجهي إلى العمل، وفي هذا الوقت يجدون من الحب والحنان والعطف ما يكفي لأن ينشؤوا على حب هذه العائلة"، مضيفةً: "حب أبنائي لأهلي باعث سرور لي، ولكن لا أتوقع أن رد فعلي سيكون مماثلاً إن كان الأمر مرتبطا بحماتي، أعتقد أنني كنت سأغار من تعلق أبنائي بها".
بل أغار
"شيرين عاشور" لها رأي خاص مختلف عن سابقتيها، فهي تُبقي بناتها الثلاثة عند أمها، التي تعتني بهن عناية خاصة، وتغدق عليهن بمشاعر الحب والحنان، وكذلك توجههن إلى الصواب دوماً، فهي تربيهن إلى جانب الاهتمام بهن.
وتوضح: "أثق بأن بناتي يحبونني فعلاً، لكن تعاملهن معي ليس فيه من الراحة ما أراه في التعامل مع أمي، فهن يطلبن منها ما يردن وليس مني، وعندما يطلبن شيئاً بكلماتهن غير الواضحة هي التي تفهمهن ولست أنا، كذلك تخبرني هي بالأشياء الجديدة التي تتعلمها بناتي كالكلمات أو الحركات، فهي تتفرغ لهن في غيابي، بينما أنا أنشغل بكل احتياجات البيت بعد عودتي من العمل، وليس لهن فقط".
وتبين: "عدم معرفتي بالتفاصيل أمرٌ مرهق لي كأم، ويجعلني أشعر بغياب جزء كبير من دوري، وأغار من أمي بسبب حب بناتي لها وتعلقهن بها"، لافتةً إلى أنها أوشكت على أخذ قرار بالاستقالة بسبب هذه الحالة.
حسب الوعي
تقول الأخصائية النفسية ليلى أبو عيشة: إن تعلق الطفل بالعائلة الممتدة التي يتواجد فيها لساعات طويلة أمر طبيعي، وهذه المشاعر صادقة تدل على ما يجده منهم، فهو امتداد لهم وبالتالي غالباً ما يجد منهم العطف والحب، وفقاً لقاعدة: "ما أغلى من الابن إلا ابن الابن".
وتضيف لـ"فلسطين": "وجود طفل في البيت كثيراً ما يجعل الكبار فيه يفرغون كل طاقتهم في الحب والحنان تجاهه، ولذا يهتم به كل أفراد العائلة".
وتشير إلى أن درجة تأثر الأم بتعلق ابنها بغيرها يختلف من حالةٍ إلى أخرى، وفقاً لإدراكها للموضوع، ووعيها وثقافتها، فالأصل أن تعرف أن تعلق الأبناء بعائلة الجد والجدة أحد الثمار الطيبة لوجوده عندهم، ودليل على حسن المعاملة التي يتلقاها، وأنه نتيجة طبيعية لوجوده في هذه البيت لساعات طويلة يومياً.
وتلفت إلى أن الأم أياً كانت مشاعرها فعليها أن تكون شاكرة للعائلة التي تحتضن ابنها، ومن ثم عليها أن تقوم بدورها أثناء وجودها في البيت لتعويض ابنها عن ساعات الغياب.
وتوضح أبو عيشة: "بالإضافة إلى وعي الأم، فللأم أسبابٌ تتعلق بسمات شخصيتها، فهي على الأغلب تعاني من غيرة شديدة أصلاً، مما يجعلها تغار على أبنائها من حماتها، وحتى من أمها، وفي هذه الحالة على الأم أن تعالج خصلة الغيرة لديها قبل كل شيء".