اعتاد قطاع غزة طيلة السنوات الماضية الاستجابة للتحديات والطوارئ التي تفرضها السياسات العدوانية الإسرائيلية، والتي أثقلت كاهله، مما جعله دوما في حالة صراع مع مقومات الحياة الأساسية، وفي مقدمتها الحق في الصحة. واليوم يضع وباء كورونا المستجد قطاع غزة أمام مهمة تكاد تكون مستحيلة في مواجهة وباء عالمي، وبحاجة إلى جهوزية واستعداد من كافة الجوانب، وهنا لابد من وقفة عند هذا التساؤل: من المسؤول عن كل هذا؟!
بالطبع الاحتلال هو المسؤول الاول الذي يقف بسياساته وحصاره خلف هذه الهشاشة والفقر التي يعاني منها القطاع الصحي في غزة. هذا الوضع، وحالة الاستنفار الصحية حول العالم، دفع الأمم المتحدة إلى تحميل الاحتلال المسئولية القانونية عن استفادة الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس من الخدمات الصحية الأساسية في ظل انتشار فيروس كورونا. وفي بيان لمقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، دعا الى ضمان توفير الحق في حصول الفلسطينيين على الرعاية الصحية خلال الأوقات العصيبة التي يمر بها العالم في التعامل مع جائحة فيروس كورونا. وقد طلب لينك من (إسرائيل) كجهة محتلة، ضمان اتخاذ جميع التدابير الوقائية الضرورية المتاحة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة بحسب المادة 56 من اتفاقية جنيف. وكان قد أشار في وقت سابق إلى أن (إسرائيل) تقوم بانتهاك صارخ لالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بحق الحصول على الرعاية الصحية للفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال، إذ إن تقييد حرية الحركة للمرضى والعاملين الصحيين تقوّض أصلا حق الفلسطينيين في الحصول على الرعاية الصحية.
وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن كورونا أضحى "جائحة عالمية"، مطالبة كافة الدول باتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع انتشاره. هذا الإعلان دفع العديد من دول العالم تباعاً لإعلان حالة طوارئ تُرجمت في إجراءات عملية بإغلاق للمجالات الجوية، ومطالبة السكان بالحجر المنزلي، هذا بالإضافة الى اتخاذ إجراءات الوقاية على الارض منعا لتفشي الوباء، وتجهيز مراكز حجر صحي وإعداد المستشفيات لمواجهة كافة السيناريوهات المحتملة للإصابة بهذا الفيروس.
بإمكانياتها المتواضعة، حولت وزارة الصحة بعض المدارس في غزة الى مراكز للحجر الصحي. جهود وزارة الصحة في غزة لمواجهة الوباء، بلا شك، هي أقصى ما يمكن للقطاع الطبي في غزة فعله، بسبب الحصار الإسرائيلي لغزة وافتقار المنشآت الصحية الى العديد من المستلزمات الأساسية التي يفترض تواجدها في المرافق الصحية. هذا ناهيك عما تعاني منه المرافق الصحية من عجز كبير سواء على الصعيد اللوجيستي المرتبط بتقديم الرعاية الصحية للمرضى، أو على صعيد الكادر الطبي القادر على التعامل مع الأوبئة.
لقد عانى القطاع الصحي-ولا يزال-في قطاع غزة على مدار أربعة عشر عاماً هي عمر الحصار الإسرائيلي الجائر على سكان القطاع بالكامل، من نقص حاد في كافة مقوماته. ساهمت الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية، وموجات التصعيد المتعاقبة، في افقاد قدرة القطاع على التعامل مع الحالات الصحية المختلفة. كما استنزفت الإصابات التي نجمت عن مسيرات العودة في السنتين الماضيتين قدراته في التعامل مع الإصابات، حتى الطفيفة منها، فكيف يمكن لهذا القطاع الصحي الصمود في مواجهة فيروس كورونا الذي ينتشر بسرعة كبيرة وتقديم العلاج المطلوب.
تسبب النقص في توفر الأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي، والذي تستحصل غزة منه على ما يقارب من 50%، لغياب أكثر 150 صنفا من الدواء. هذا النقص الذي دفع المستشفيات إلى تحويل العديد من الحالات للعلاج إما في مستشفيات الضفة الغربية أو مستشفيات الاحتلال، وخصوصا أصحاب الامراض المستعصية، كمرضى السرطان.
ضعف مناعة المرافق الصحية في غزة لمواجهة الوباء قد يشل من قدرة هذا المرافق على استيعاب أي حالات مصابة بالفيروس أو قد يظهر عليها لاحقا، خصوصا وأن إجمالي عدد الأَسِرّة في غرف العناية المركزية في مستشفيات القطاع الحكومية والخاصة لا تتجاوز حدود المائة سرير، وهو ما ينذر بكارثة صحية في حالة تفشي الوباء في قطاع غزة لا سمح الله. بالإضافة الى ذلك، لا يتوفر في القطاع حتى اللحظة سوى ثلاثة أجهزة فحص خاصة بفيروس كورونا، يمكنها مجتمعة أن تقدم فحصا اجماليا بحدود 180 حالة فقط. هذا الامر سيؤدي الى عجز واضح لدى القطاع الصحي حالة تفشي الوباء، بحسب تصريحات السيد كمال موسى مدير العلاقات العامة بوزارة الصحة في غزة.
لقد كان، وما زال، القطاع الصحي على الدوام أحد أبرز ضحايا تلك السياسات العدوانية الإسرائيلية. هذا يتطلب الآن وقبل فوات الأوان جهودًا كبرى من وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمة الصحة العالمية، وجهود المجتمع المدني والدولي لضرورة الإسراع في مساعدة القطاع الصحي في غزة، وإمداده بكافة التجهيزات والتحضيرات الكافية لتمكنيه من مواجهة الوباء. وعلى المجتمع الدولي، دولاً، منظمات أممية، ومنظمات غير حكومية، الضغط أكثر على سلطات الاحتلال لرفع الحصار عن غزة والسماح بإدخال المواد الغذائية والأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة للقطاع لتجنب تبعات كارثة إنسانية في حالة تفشي هذا الوباء في قطاع غزة، وتجنب المشاركة في الجريمة الإسرائيلية الممتدة على مدار أكثر من أربعة عشر عاما.