منذ أن بدأت حرب (كورونا العالمية) التي أدخلت العالم في بحر الخوف، ولطمته بصدمات مفجعة، وهو يتلقى الاستهداف المباشر للمدنيين والعسكريين على السواء، في هجوم عالمي منقطع النظير، أمام عدو ذكي وخطير، استطاع التخفي عن منظور الطائرات العملاقة، ولم تكشفه الرادارات بأنواعها، وعجزت أمامه المضادات والدفاعات الجوية واللقاحية.
وتباينت حوله التفاسير علميا، ودينيا، وسياسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، عن وضع توصيف موضوعي ودقيق يمكن أن يشخص هذا الجيش المتحفز، ويعرف منبته وسره، وهدفه من وراء الهجوم، أو تخمين قدرته على تحقيق النصر في مواجهة كبرياء البشرية، وغرورها بالقدرات العلمية، والطبية، والعسكرية، والمالية وغيرها، الأمر الذي أظهر أقصى درجات العجز التي انتابت كبريات دول العالم وشلت أركانها وقدراتها.
فلم يعهد هذا العالم معركة مفتوحة تهدد مصيره، أمام مجموعة من الفيروسات، التي أصبحت قادرة على اختراق حدود الدول دون انتظار تأشيرة الدخول، أو عبور المطارات، غير مكترثة بكل الأنظمة، والاحتياطات الأمنية، ساخرة في ذات الوقت من طوارئها، وخططها المتقدمة، وهي تجتاح المدن، والعواصم، وتحصد أرواح المئات بل الآلاف، وتفرض حظر التجوال في بلدان كثيرة.
وليتها توقفت عند هذا، فقد تسللت هذه الفيروسات العدوانية إلى أكثر الأماكن تعقيما وأشدها حرصا ووقاية، لتصيب طواقم مخبرية وبحثية كانت تحضر (لقنبلة) لاستخدامها في هجوم بشري يحقق إصابات محققة ودامية في مواجهة جيش كورونا الاحتلالي، تزامن ذلك مع تحرك فرق متخصصة من هذا الجيش لمحاولة تعطيل القرار السياسي لتقتحم وبشكل سافر المجالس النيابية والبرلمانات وتداهم مقرات صنع القرار وتطرق الغرف المحصنة فقد أصبحت متأهبة لتنفيذ هجمات نوعية لاغتيال قادة وزعماء يقررون في هذا العالم.
وعبثت بالاقتصاد العالمي البغيض، القائم على سياسة الاستقواء، والوصاية، ونهب الثروات والاملاء، فكسرت حالة الصعود المتسارع في نسب الفوائد والأرباح، وسطت على البورصات العالمية، وزودتها ببيانات جديدة تناسبت مع حجم الخسارة الحالية، فأصبح المؤشر في انخفاض ملحوظ، يرتعد تحت التهديد، ويتهاوى دون مراعاة للآثار الجانبية الخطيرة التي تتمالك الدول وكبار المستثمرين.
هذه هي الحقيقة بل بعض منها: لأن هذا العدو أصبح يسيطر على المشهد العالمي ولا يسمح للشاشات والصحف الدولية إلا أن يحتل الصفحة الأولى والخبر الأول، فقد احتكر الإعلام وجنده لصالحه، لا أدري كيف تعلم هذا! ومن أين اكتسب هذه الخبرة؟! وكيف تزود بالقدرات الفائقة؟! إنه عدو يعرف الحياة الإنسانية جيدا، ويدرك مواطن الضعف والقوة، ويختار فريسته بعناية، ويبدو أنه عازم على تغيير وجه العالم ولا يؤمن بالهزيمة أو سياسة (الاكتفاء بالنتائج) التي حققها.
عن أي نصر تتحدث البشرية! وهي في حالة ترنح واستسلام أمام هذا (المارد المتخفي)، فالأخبار تطالعنا يوم بيوم، وساعة بساعة، عن هجمات تتكاثف وتتمدد في بقاع العالم، إن هذا الفيروس يدرك تماما أن العالم يتصارع على المصالح، ويتنافر في السياسات والتوجهات الدولية، وما زال منقسما على نفسه في هذه المعركة العالمية، فضرباته متفرقة، وقوته مشوشة، غاب عنها روح التضامن والتوحد، وهو يتعامل بانتقائية مقيتة مع الدول المصابة، فتارة متعاطف وتارة متفشٍّ، وهو يترك دولا تموت وتذهب إلى الفناء وما زال يطوقها بالحصار والعقوبات ويحرمها من حقها في الدواء.