بينما يتعرض كوكب الأرض لغزو فيروس كورونا المخيف، اكتشفت البشرية بكل مكوناتها ضعفها، رغم التقدم العلمي والحضاري الذي حققه الإنسان على هذا الكوكب.
لقد بات العالم يعيش اليوم أحداث فيلم مثير، لطالما تناولته السينما عبر عرض سيناريو يهدد مصير الإنسانية بسبب تعرضها لوباء فتاك.
العدو "كورونا" استطاع تحييد القدرات العسكرية كافة، للقوى العظمى، ويعمل الآن على تدمير أنظمة اقتصادية عالمية، وتمكن من عزل الكتل البشرية، حول الدول إلى معازل للحجر الصحي، كما دفع الإنسان للهرب من أخيه الإنسان، للنجاة بنفسه من الإصابة أو الموت، وكشف هشاشة الأنظمة السياسية، التي وصل بعضها إلى مرحلة العجز والاستسلام أمام اجتياح كورونا.
لقد باغت "كورونا" الدول والأنظمة السياسية التي وظفت مواردها وموازناتها على مدار عقود، لتطوير القدرات العسكرية والدفاعية، على حساب تحسين النظام الصحي والخدمي، بل جندت المواطن لحماية الدولة والنظام السياسي، وها هي اليوم تواجه تحدي خسارة الإنسان وانهيار الدولة.
لقد استطاع فيروس كورونا إعادة توزيع وتصنيف دول العالم وفقًا لقدرتها على الصمود في مواجهة الوباء والخروج بأقل الخسائر.
في الحالة الشرق أوسطية المنهكة بالحروب والفقر والقمع، كشف الوباء عن ضعف البنية التحتية لدول، وانعكاس شكل النظام السياسي على طريقة مواجهة الفيروس، بين أنظمة قمعية حاولت إخفاء المعلومات، للهروب من مسؤوليتها، وأخرى سقطت في اختبار إدارة الازمة، فيما تعاملت دول باستهتار وتأخرت في مواجهة الخطر.
فلسطينيًّا، حاول البعض تسيس كورونا في إطار الانقسام، أو خلق مقارنات غير بريئة بين غزة والضفة، لكن حتى اللحظة استطاعت الإدارتان في غزة والضفة تجاوز هذه المرحلة، واستيعاب حجم الخطر الداهم، في ظل إمكانات متواضعة، ومحيط موبوء، وفيروس لا يهاجم بناء على التصنيف السياسي، أو الانتماء التنظيمي، وأمام مواطن يراقب ويرصد الأداء الحكومي والإداري في غزة والضفة، ويشارك في توجيه المسار عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
في غزة تحديدا، تبدو تجربة الحروب والطوارئ والحصار حاضرة في المشهد الحكومي والفصائلي والشعبي، هناك استشعار بأن ثمة تهديدًا بعدوان من نوع جديد، يستدعي رفع درجة الجهوزية والاستعداد على مختلف المستويات، غرابة التجربة خلقت في البداية بعض الإرباك في الأداء الميداني، لكن هناك استدراك سريع تقف على رأسه القيادة السياسية في غزة، وقد شهدنا في الساعات الماضية على سبيل المثال، خروج قائد حماس في غزة يحيى السنوار للوقوف بنفسه على تجهيزات توفير أماكن الحجر الصحي، في ظل استمرار وصول فلسطينيين من معبري رفح وبيت حانون رغم قرار إغلاقهما، على أمل أن تبقى غزة صامدة وتنجو من اجتياح "كورونا" المرعب.