فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

البيدر: الاحتلال يهدم منازل المواطنين في الأغوار الشَّماليَّة

ثلاثة إسرائيليين من “غلاف غزة” قُتل آباؤهم وأمهاتهم: نعم لاعتقال نتنياهو وغالات

خامنئي: ينبغي إصدار أحكام إعدام على قادة (إسرائيل)

بلديَّة غزَّة: تفاقم الأزمات في مخيَّمات الإيواء جرَّاء تساقُط الأمطار وتدمير البنية التَّحتيَّة

الدّفاع المدني: لا نستطيع الوصولَ إلى مئات المفقودين تحت أنقاض منازلهم في شمال قطاع غزّة

"أمْطرتْها بالرَّشَّاشات والقنابل اليدويَّة".. القسَّام تشتبكُ مع جنود الاحتلال وتوقعهم قتلى وجرحى في معارك شمال غزَّة

حماس: جرائمُ الاحتلال وإعدامه شابًا وطفلًا في يعبد القسَّام سيزيدُ من إصرار شعبنا على المقاومة

تحقيقٌ لـ"هآرتس" يكشف تفاصيلَ إصابة الأسرى الفلسطينيين بمرض "سكايبوس" خلال الأشهر الأخيرة!

الأونروا: الحصول على وجبات الطَّعام في غزَّة أصبح مهمةً مستحيلة ولا بُدَّ من فتح كامل للمعابر

الحالة الجوية لطقس فلسطين اليوم 25 نوفمبر

دروس للتعامل مع فيروس كورونا: قصة مدينتين والجدري

...
لورا خان

لورا خان

نشرة علماء الذرة

    في شباط (فبراير) 1947، قفز رجل أعمال أميركي في مكسيكو سيتي على متن حافلة مع زوجته وانطلق في رحلة إلى ولاية مين، فيما يقال إنه كان لتفقد مزرعة ورثتها الزوجة في بلدة ريدفيلد. وبينما يسافران إلى الشمال، عبر الزوجان الحدود من المكسيك إلى تكساس، ومرَّا بمدن مثل دالاس، وسينسيناتي وبيتسبيرغ. وعلى الرغم من أن يوجين لو بار بدأ يشعر بالمرض على متن الحافلة، إلا أن الأسبرين وأدوية الصداع أبقته واقفاً على قدميه أثناء توقفه في مدينة نيويورك للتسوق ومشاهدة المعالم السياحية، وفقاً لتقرير نشر في عام 1947 في المجلة الأميركية للصحة العامة وكتبه إسرائيل فاينشتاين، الذي كان في ذلك الحين المفوض الصحي لنيويورك. وسجل لو بار وزوجته للإقامة في فندق في مانهاتن في الأول من آذار (مارس). وبعد تسعة أيام، مات لو بار.

    ستُظهر التحقيقات لاحقا أن لو بار، الذي عبَر بلدين وقضى بعض الوقت بين الحشود في أكبر مدينة في الولايات المتحدة، توفي بسبب مرض الجدري. وكان هو “المريض رقم صفر” في ما قال وينشتاين إنه كان يمكن أن يكون كارثة على الصحة العامة.

    ولكن، بدلاً من أن يتم تذكرها كمأساة جماعية، تُصنّف موجة تفشي مرض الجدري في العام 1947 ككتاب إرشادي مثالي عن استجابة صحية عامة قوية وإنسانية وفعالة. وتشكل قصة كيفية تعامل نيويورك مع تفشي الجدري تذكيراً قوياً بالطريقة التي من المفترض أن تكون عليها الأمور في هذه الأحوال. وهذه الأيام، بينما يراقب الأميركيون بصبر نافد انتشار فيروس كورونا الجديد الذي يؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابة بـ”كوفيد-19″ في بلدان كثيرة حول العالم، يبدو من السهل جدا أن ننسى أن الدستور الأميركي -الذي كُتب قبل 75 عاما تقريبا من اكتشاف لويس باستور نظرية الجراثيم والأمراض- يجعل الصحة العامة مسؤولية الدولة ومسؤولية محلية. (وهو ما يتعلق كثيراً بالدور الجديد لنائب الرئيس مايك بينس باعتباره الوجه الوطني للاستجابة الأميركية للمرض).

    على الرغم من أن طبيبا اشتبه، لفترة وجيزة على الأقل، في أن لوبار كان مصاباً بالجدري، إلا أن الأطباء استبعدوا ذلك المرض في بادئ الأمر، وفقا لمقال نشره في عام 1949 بيرتون رويتشي في واحدة من سلسلة “حوليات الطب” الشهيرة التي كانت تصدر عن مجلة “نيويوركر” على مدى عقود. وكان وينشتاين قد أشار إلى أن الدواء الذي كان يستخدمه البار ربما تسبب في حدوث الطفح الجلدي. وعلاوة على ذلك، كانت لدى لوبار، الذي أفاد رويتشي أنه كان تاجر سلع جلدية في السابعة والأربعين من العمر، ندبة من حقنة لقاح سابق -والتي كانت سبباً للاعتقاد بعدم إصابته بالمرض. والأكثر من ذلك أن الطفح الجلدي لم يكن يشبه الجدري، وزعمت زوجته أنه لا يمكن أن يكون قد تعرض للعدوى بالمرض. ونتيجة لذلك، تم تسجيل سبب وفاة لوبار في الأصل على أنه عدوى جلدية.

    ولكن، تم بعد تشخيص مريضين بالإصابة بالجدري في نيويورك، رجل في العشرينات من عمره وفتاة تبلغ من العمر 22 شهرا، في أواخر آذار (مارس).

    وبحلول أوائل نيسان (أبريل)، أكد مسؤولو الصحة صحة تشخيص الحالتين في أحد مختبرات الجيش الأميركي في واشنطن العاصمة، وعملوا على تعقب الصلة بين المرضى ولو بار -كان الثلاثة جميعاً قد تواجدوا في مستشفى ويلارد باركر في مانهاتن. وبعد مزيد من التحقيق، تم تشخيص إصابة لوبار أيضاً بالجدري بعد وفاته. وهكذا سوي الأمر: كانت المدينة تواجه احتمال انتشار وباء.

    عندما تم تأكيد تفشي مرض الجدري، أعلم وينشتاين الجمهور بالوضع على الفور وعقد اجتماعاً مع إدوارد بيرنيكر، مفوض المستشفيات، لتطوير استجابة للمرض. وأيد رئيس بلدية المدينة، وليام أودير، قرار وينشتاين البدء في حملة تطعيم جماعية شاملة لوقف المرض -حتى أنه جعل لوينشتاين يقوم بإعطائه اللقاح على الملأ. وكانت لقسم الصحة في نيويورك سمعة طيبة لدى الصحافة والجمهور، وقام بإطلاق حملة تثقيفية شاملة. كانت هناك، كما قال وينشتاين “أخبار عن المرض في الصحف في جميع أنحاء البلاد، ونشرات تُبث كل ساعة في المذياع، وكانت المختبرات تعمل وفق جدول زمني لمدة 24 ساعة في اليوم لإنتاج لقاح، ووقف مئات الآلاف من الناس في الطوابير لساعات للدخول إلى مركز صحي أو عيادة مستشفى أو مركز للشرطة” -كانت تلك استجابة هائلة.

    تطوع الآلاف من المواطنين للمساعدة. وتم الإبقاء على الإشاعات والقيل والقال والقصص المخيفة في الصحافة في حدها الأدنى، لأن الصحفيين كانوا يراجعون قسم الصحة قبل نشر مقالاتهم. وفي أقل من شهر، طعمت المدينة أكثر من 6 ملايين شخص، حسب وينشتاين.

    مع ذلك، لم يكن ذلك الجهد نجاحاً تاماً؛ فقط سقط 12 شخصاً مصابين بالجدري، وتوفي اثنان. ولم يكن لقاح الجدري آمنًا تماما. كانت له آثار جانبية خطيرة معروفة، بما في ذلك الالتهاب الدماغي. وبعد بدء برنامج التطعيم، تم الإبلاغ عن 46 حالة محتملة من التهاب الدماغ. وقال وينشتاين إنه من بين الوفيات الثمانية التي نجمت عن التهاب الدماغ، أظهرت نتائج الطب الشرعي وتشريح الجثث أن التطعيم ضد الجدري لم يكن السبب. كما توفي ثلاثة أشخاص أيضاً من مضاعفات أخرى تتعلق بهذا الجهد. وكتب وينشتاين: “يجب أن لا يغيب عن البال أنه لو لم يتم إجراء التطعيم على هذا النطاق الواسع، لكان من المرجح أن تكون لدينا آلاف الحالات ومئات الوفيات”.

    بطبيعة الحال، هناك أيضاً قصص تحذيرية في تاريخ تلك الاستجابة المحلية للمرض، وإرشادات حول كيفية التعامل مع الوباء المحتمل. وتمكن المقارنة بين استجابة نيويورك للجدري في العام 1947 وبين ما فعلته ميلووكي مع تفشي المرض هناك في العام 1894. في ميلووكي، تبنى مسؤولو الصحة مقاربة قوية لتحصين السكان باللقاح وإجراءات العزل، مستهدفين بشكل خاص المهاجرين في الجانب الجنوبي من المدينة، وفقًا لمؤرخة جامعة ويسكونسن الطبية، جوديث دبليو ليفيت. وفي رواية أخرى عن تلك الموجة من تفشي المرض، والتي ظهرت على الموقع الإلكتروني لجامعة ماركيت، يُذكر أن والتر كيمبستر، مفوض الصحة في ميلووكي، قدم تأكيدات خطأ للجمهور بأنه لا يوجد سبب للقلق، قائلاً في حزيران (يونيو) 1894 إنه ليست هناك سوى 18 حالة ووفاتين.

    في الواقع، شكك مسؤولو الصحة في أنه لم يتم الإبلاغ عن جميع الإصابات في ميلووكي.

    تم الإبلاغ عن العديد من حالات الجدري في ميلووكي في الجانب الجنوبي من المدينة بالقرب من مستشفى العزل. وقالت ليفيت في ورشة عمل للأكاديميات الوطنية، إن المسؤولين هناك أجبروا المهاجرين على دخول المستشفيات بينما سُمح للمقيمين من أبناء الطبقة الوسطى المولودين في الولايات المتحدة بالبقاء في منازلهم. وقد انتشرت الشائعات عن الوحشية التي مورست في مستشفى العزل، وأبلغ مريض سابق عن ظروف بالغة السوء في الداخل -حتى أن السكان الذين يعيشون بالقرب من المستشفى عبؤوا أنفسهم لحمل المدينة على نقل المنشأة إلى مكان آخر؛ وكانوا يخشون من أن العيش بالقرب من المستشفى يزيد من مخاطر إصابتهم بالمرض. وعارضهم مسؤولو الصحة والمدينة.

    وصلت العلاقة الرديئة بين حكومة المدينة والمجتمع إلى ذروتها عندما حاول مسؤولو الصحة نقل طفل مريض إلى المستشفى في أوائل آب (أغسطس) فقابلهم حشد غاضب ومسلح من الرعاع مكون من 3.000 من أهل القسم الجنوبي، وفقًا لرواية موقع جامعة ماركيت. وخلال شهر آب (أغسطس) بأكمله، اندلعت أعمال الشغب احتجاجا على سياسات وزارة الصحة. وأصيب في الاضطرابات ضباط من الشرطة. وعندما انتهى الوباء أخيرًا بعد عام من ظهوره، كان حوالي 900 شخص قد أصيبوا بالمرض، وتوفي 244 شخصاً.

    لا يوجد لقاح ضد “كوفيد-19” (فيروس كورونا)، الذي يبدو أنه شديد العدوى. (وفقًا لمقال افتتاحي في مجلة نيو-إنغلند الطبية، فإن شخصًا مصاباً بالمرض سوف يصيب بالعدوى، في المتوسط، حوالي 2.2 شخصًا آخرين). ويحتمل أن يقوم بعض الأشخاص المصابين بنشر المرض من دون أن تظهر عليهم أي علامات أو أعراض له. ويقول المسؤولون الأميركيون أن إنتاج لقاح يبعد ما لا يقل عن عام من الآن.

    بدلاً من ذلك، تتألف الإجراءات الممكنة للتعامل مع فيروس كورونا من تدابير الصحة العامة القياسية الأخرى (الحجر الصحي على الأصحاء لكسر سلسلة الانتقال، وعزل المرضى لمنعهم من إصابة الآخرين بالعدوى).

    وينبغي أن تستعد المدن، والأعمال والشركات والمدارس، لفترة قد يضطر فيها جزء كبير من السكان إلى الاحتماء من العدوى في منازلهم. ويُعَد تخزين الغذاء والماء والمستلزمات الطبية، وتمكين العمل والتعليم عن بعد، وتشجيع النظافة الأساسية، من الخطوات المهمة، إلى جانب التلقيح ضد الإنفلونزا والالتهاب الرئوي. ويمكن أن تساعد كل هذه التدابير على الحد من خطر حدوث مضاعفات مرَضية حادة لفيروس كورونا، كما ستساعد إدارة صحية تنخرط في تواصل صادق وإعلام موثوق، التي تنفذ الحملات التعليمية والتواصلية، وتكون لها سمعة طيبة في قول الحقيقة عند الصحافة والجمهور.

    لا يمكننا أن ننتظر ما يفعله مايك بينس. لقد حان الوقت الآن لتفعيل القيادة المحلية.