عروض متجددة تكاد لا تنتهي تغزو الغالبية العظمى من المحال التجارية في جميع محافظات قطاع غزة، ويعمد أصحابها إلى نشر الأسعار المغرية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لجذب المواطنين.
تأتي هذه العروض في محاولة من التجار لإنعاش القدرة الشرائية، التي تراجعت لتردي الأحوال الاقتصادية وقلة الدخل المادي؛ بسبب حصار الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة وانعكاساته على المواطنين، وخصومات السلطة من الرواتب وقطع بعضها.
عبد الله المشهراوي (صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية والكهربائية) يبين أن الأوضاع الاقتصادية هي التي دفعته إلى اعتماد العروض المخفضة في بضاعته، مضحيًا بنسبة الربح وأحيانًا تصل إلى حد البيع دون أي ربح.
ويشدد المشهراوي على رفضه المطلق اختيار جودة بضاعة أقل حفاظًا على اسمه ومكانته في السوق واحترامًا لزبائنه، فجودة البضاعة تبقى كما هي، وما يتأثر فقط هو تقليل السعر، مبينًا أن الحال الاقتصادي الصعب هو المؤشر على استمرار حالة العروض.
نقيب تجار الألبسة في قطاع غزة عماد عبد الهادي يعتقد أن الوضع الاقتصادي بقطاع غزة "في قلب الهاوية"، مبينًا أن القدرة الشرائية ضعيفة جدًّا، ما يدفع التاجر تحت ضغط دورة السيولة النقدية للبيع بخسارة أحيانًا لتوفير السيولة المطلوبة.
ويقول عبد الهادي: "بعض التجار "يدلسون" –على حد وصفه- على الناس ويضربون السوق والمواسم، فمثلًا يعرضون بعض البضائع بسعر أقل من 20-50% من سعرها في السوق، بعد أن يكونوا أتوا بالبضاعة بطرق غير صحيحة، مثل البضاعة الرديئة (تشبه شكلًا فقط البضاعة الموجودة في السوق)".
ويجيب عن سؤال: "هل التخفيضات أدت إلى زيادة المبيعات؟" بقوله: "حتى مع التخفيضات ليست هناك قوة شرائية، بل هذه التخفيضات تؤدي بالسوق إلى العشوائية والضبابية والمستقبل المجهول، فالتجار لا يحققون أي نسب ربح من هذه التخفيضات"، مشددًا على أن المتضرر الأكبر من ذلك هو الميزان التجاري العام في قطاع غزة، وهذا ينذر بانهيار اقتصادي.
تسديد الأموال
وينبه إلى أن نقابته تدرس حاليًّا مع وزارة المالية والتجار عمل مواسم للتنزيلات في نهاية فصل الشتاء أو نهاية الصيف، فتكون في تاريخ محدد كالتي تجري في دول أوروبا وبعض الدول العربية، مشيرًا إلى أنه عندها يكون من حق التاجر بيع بضاعته بأي سعر يريده، حتى إن وصلت التنزيلات إلى 100%.
ويختم نقيب تجار الألبسة: "هذا الإجراء سيساعد على نفاد البضاعة في نهاية المواسم (أي عدم تكدسها في المخازن للعام المقبل)، وإقبال الناس على الشراء وفق حاجتهم".
رئيس تحرير جريدة الاقتصادية محمد أبو جياب يبدأ حديثه بتلخيص المشهد بجملة واحدة، وهي: "لا تترك زبونًا يخرج دون أن يدفع المال"، أيًّا كانت طبيعة هذا المال أو مقداره.
ويلفت أبو جياب إلى أن القطاعات التجارية عندما تستجلب البضائع، فهي ملتزمة بتسديد أموال للموردين، والشركات الكبيرة، ودورة التشغيل لديها، والعمال، ما يضطرها إلى البيع، إن لم يمكن برأس المال –أي دون أرباح- فقد يكون بجزء من الخسارة، أملًا في التحسن مستقبلًا.
ويشير إلى أن العروض التجارية التي لم يشهدها قطاع غزة سابقًا؛ نتيجة ركود المستوى الاقتصادي، وضعف القوة الشرائية، وهي حالة ليست في أطراف المحافظات أو مناطق قليلة الازدحام، بل في العمق التجاري للمدن، وهناك قطاعات تتوقف الحركة الشرائية فيها ولا تنشط إلا في أوقات محددة.
ويقول: "يقع التاجر تحت وطأة حياة الحركة التجارية من عاملين وديون وإيجار محلات، فيحتاج إلى سيولة نقدية، ولن تأتي هذه السيولة، لو تمسك بأسعار مرتفعة مع استمرار ضعف القدرة الشرائية للمواطنين".
وينبه أبو جياب إلى مسألة يراها لافتة للانتباه في شارع عمر المختار، لم تكن سابقًا، وهي عرض عدد من المحلات للبيع أو التأجير بعد توقف عملها التجاري، مشيرًا إلى أنه لا أحد يخاطر حاليًّا بالمغامرة باستئجارها، بسبب الأوضاع الاقتصادية، ونسب كبيرة آيلة لفشل أي مشروع.
ويقول: "بعض من تبقى على قيد الحياة ويفتح محله، فهو ينتظر أمرين: من يشتري منه المحل ويعطيه خلو طرف، وهناك تجار كثر جاهزون لهذا الأمر، والأمر الثاني أنه يراهن على تحسن الأحوال الاقتصادية قريبًا، وإن لم يحدث فهو على طريق الإغلاق".
وبسؤاله: "هل انخفاض سعر البضائع يعكس تلاعبًا سابقًا للتجار في الأسعار؟"، يعلق: "هذه نظرية سوق عالمية، فزيادة العرض مع انخفاض الطلب تؤدي إلى انخفاض الأسعار، فليس من المنطق أن التاجر يرغب في الخسارة، بل هو يخفض السعر للحفاظ على وجوده ورزقه".
ويكمل أبو جياب: "نحن في حالة معقدة على المستوى التجاري لا تنطبق على أي مكان في العالم"، مشيرًا إلى أن قدرة التجار على التعاطي مع الوضع في غزة وصلت إلى حد الاتفاق مع شركات عالمية لتخفيض الإنفاق على السلع، لمحاولة مواكبة القدرة الشرائية.