فلسطين أون لاين

تقرير علاقات الاحتلال بأنظمة عربية.. من السر إلى العلن

...
(أرشيف)
غزة - محمد أبو شحمة

لم تكن أي دولة عربية تجرؤ على إقامة علاقات رسمية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أو أن يزور رئيس حكومة الاحتلال أيًّا منها علنًا، خشية غضب الشعوب وثورتها، ولكن بعض من قادة الدول العربية ضربوا عرض الحائط بكل الاعتبارات الوطنية العربية، وبدؤوا يتعاونون مع الإسرائيليين ويبرمون الاتفاقيات.

وانتقل عدد من القادة العرب من التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من السر إلى العلن، متجاهلًا استمرار عدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وارتكابه مزيدًا من الجرائم والانتهاكات، ومواصلة الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين، وخاصة القدس المحتلة.

وأعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال المنتهي الولاية بنيامين نتنياهو في الثالث من شباط (فبراير) 2020م أنه التقى رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان، في العاصمة الأوغندية عنتيبي، وأنهما اتفقا على بدء الحوار من أجل "تطبيع العلاقات"، في حين خرجت احتجاجات شعبية في مدن سودانية عديدة تنديدًا بالخطوة.

وكشف نتنياهو الشهر الجاري أن (إسرائيل) تقيم علاقات سرية مع العديد من الدول العربية والإسلامية، وأن ثلاث دول فقط هي التي لا تقيم علاقات معها.

وقال نتنياهو في كلمة له بمؤتمر لرؤساء المنظمات اليهودية الأميركية في غربي القدس: "أطوّر علاقات مع دول عربية وإسلامية، وأستطيع أن أقول لكم إن دولة واحدة أو دولتين أو ثلاثًا منها فقط لا تقيم معنا علاقات تتعزز باستمرار".

وأكد أن ما يقوله ليس إلا 10% فقط مما يحدث من علاقات سرية تجمع (إسرائيل) بدول عربية في المنطقة.

وأضاف: "زرت مع سارة (زوجته) سلطنة عمان قبل عام تقريبًا، وقمنا قبل أسبوعين بزيارة مؤثرة إلى رئيس مجلس السيادة السوداني (عبد الفتاح البرهان)"، مشيرًا إلى أن السودان دولة إسلامية تتحدث باللغة العربية وأضافت مؤتمر الخرطوم الذي حدد "اللاءات الثلاث ضد (إسرائيل)"، والآن يدور الحديث عن إطلاق عملية تطبيع مسرعة معها.

وللمرة الأولى من نوعها، عبرت طائرة ركاب إسرائيلية (أم-أي بي جي جي) الأجواء السودانية في طريقها من مطار كينشاسا بالكونغو الديمقراطية إلى مطار (بن غوريون) الإسرائيلي.

وعدا مصر والأردن، لا تقيم أي دولة عربية علاقات دبلوماسية علنية مع (إسرائيل)، لكن في المدة الأخيرة ازدادت وتيرة التطبيع بمشاركات إسرائيلية في أنشطة رياضية وثقافية وفنية تقيمها دول عربية، لاسيما في الخليج العربي.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2018م، استقبل السلطان العُماني الراحل قابوس بن سعيد، رئيس حكومة الاحتلال في العاصمة مسقط.

وصرح مكتب نتنياهو آنذاك أن الأخير اصطحب معه خلال الزيارة رئيس الموساد يوسي كوهين، ومستشار رئيس حكومة الاحتلال لشؤون الأمن القومي رئيس "هيئة الأمن القومي" مائير بن شبات، والمدير العام لوزارة الخارجية يوفال روتيم، وآخرين.

عضو اللجنة الوطنية لمقاطعة (إسرائيل) نصفت الخفش يؤكد أن تطبيع أنظمة عربية مع الاحتلال الإسرائيلي أصبح ملحوظًا، ويشاهده الجميع  في المحافل وباستمرار، وتحول إلى ظاهرة.

ويرجع الخفش أسباب تجرؤ قادة الأنظمة العربية على التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي علنًا، إلى تساوق الأنظمة مع التعليمات الأمريكية وما يمليه رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب عليهم، للانفتاح على الاحتلال بكل الأشكال والمستويات.

"تطبع لحماية نفسها"

ويقول الخفش: "العلاقات العربية الرسمية مع دولة الاحتلال مشبوهة، خاصة أن الأنظمة هي ليست مختارة أو ديمقراطية أو تمثل شعوبها، بل مستبدة وتطبع لحماية نفسها وللاستمرار بالحكم بالقوة والهيمنة وبحماية أمريكية".

ويوضح أن الولايات المتحدة دائمًا ما تهدد الأنظمة العربية بعقوبات رادعة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لذا ينفذ قادة العرب توجيهات الولايات المتحدة للتطبيع مع (إسرائيل) وفتح علاقات جديدة معها.

ويضيف: "الأنظمة التي تطبع مع دولة الاحتلال تريد تقديم شهادة حسن سلوك والتزام إلى الولايات المتحدة بأنها بعيدة عما يسمونه دعم الإرهاب، لذلك يهرولون مسرعين إلى التطبيع علنًا".

ويبين أن "الأنظمة العربية التي تطبع مع (إسرائيل) علنًا هي بالأصل بعيدة عن شعوبها ومواقفها من القضية الفلسطينية"، واصفًا التطبيع بأنه "خيانة" بأشكاله كافة.

وعن مبادرة التسوية التي أقرتها القمة العربية في بيروت في 2002م، يؤكد عضو اللجنة الوطنية لمقاطعة (إسرائيل) أن هذه المبادرة "فاقدة لمحتواها"، مع التطبيع العلني الرسمي العربي.

ويتناقض التطبيع حتى مع هذه المبادرة، التي تشترط أن يكون التطبيع بعد التوصل إلى "حل عادل" لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران (يونيو) 1967م في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها شرقي القدس المحتلة.

كما تشترط المبادرة الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، ومنها الجولان السوري، حتى خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967م، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، ومقابل ذلك، تنص على عد "النزاع العربي الإسرائيلي منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين (إسرائيل)، مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة".

وعن المطلوب فلسطينيًّا لمواجهة تطبيع الدول العربية، يرى الخفش أن على السلطة في رام الله وقف التنسيق مع دولة الاحتلال بكل المجالات والمستويات، ووقف اللقاءات التي تجمع شخصيات رسمية وأهلية بشخصيات إسرائيلية.

ويضيف: "العرب يضعون مسوغًا للتطبيع مع دولة الاحتلال، وهو أن الفلسطينيين أنفسهم يلتقون الإسرائيليين، لذا يجب علينا الفلسطينيين وقف أشكال التنسيق كافة مع الاحتلال".

أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت نشأت الأقطش يؤكد أن التطبيع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والأنظمة العربية لم يظهر حديثًا، بل كان سابقًا وقديمًا، ولكن (إسرائيل) هي التي كانت ترفض ظهوره للعلن.

ويقول الأقطش لصحيفة "فلسطين": "ما يحدث الآن من تطبيع رسمي خيانة واضحة لفلسطين، وهو مخطط ينفذه الجهاز السري لليهود بحيث تفتح علاقات مع دولة الاحتلال اقتصادية وسياسية وفي جميع المجالات".

وعن مبادرة قمة بيروت 2002م، يوضح الأقطش أنها "منتهية بعد هرولة الأنظمة العربية للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي".