حملت زيارة وفد حماس برئاسة رئيس الحركة إسماعيل هنية، للعاصمة الروسية موسكو دلالات عديدة، إن كان في التوقيت أو الشكل أو مضمون اللقاءات ونوعية المستقبلين.
وتبعًا لذلك، فإن زيارة هنية والوفد المرافق تُعد ضمن أهم زيارتين لروسيا يقوم بها وفد رفيع لحماس. الزيارة الأولى كانت عام 2006 حين زار وفد من الحركة موسكو يتقدمه رئيس المكتب السياسي السابق لحماس خالد مشعل. ومن هنا تتضح الأهمية التي توليها روسيا لعلاقاتها مع حركة (حماس).
إزاء تراجع الدور الأوروبي في المنطقة، وخفوت صوت أوروبا حين الاعتراض على صفقة القرن، برز الدور الروسي المعترض على الصفقة لاعتبارات عديدة؛ أولها أنها تتجاهل الدور الروسي في التسوية، والتي يوم انطلقت كانت روسيا إحدى رعاتها، فإذا بالصفقة تبدو أحادية لقضية لها تشعباتها الدولية.
وما رضيت به روسيا يوم كانت في مرحلة من الانتقال السياسي بعد عام 1991، وما ولّده من اضطرابات، لن ترضاه وهي في فترة استفاقة سياسية، ونهضة اقتصادية، وحماسة قومية.
كما حال روسيا، وبعد أن رسّخت أقدامها في الشرق الأوسط، أن يجري تجاهلها بهذا الشكل، وفي منطقة تعدها حيوية بالنسبة إليها منذ عهد كاترينا الثانية قبل 250 عامًا تقريبًا. وأسست فيها موسكو عشرات المدارس، كما تعدها ذات ثقل روحي لا يمكن إلا أن تأخذه بعين الاعتبار.
من هنا، وجدت حماس في الموقف الروسي المعارض لصفقة القرن، ظهيرًا دوليًا، في إطار التحشيد العربي والدولي لإسقاط الصفقة، أو إبطال مفاعيلها الخطيرة. فالموقف الروسي ربما يساعد في تثبيت الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يبدو غير حاسم حتى الساعة، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار عدد من المواقف المتناقضة للسلطة الفلسطينية، كما أن الموقف الروسي ربما يساهم أيضًا في تقوية بعض المواقف العربية المناهضة لصفقة القرن مثل الموقف الأردني.
وتأتي زيارة وفد حماس برئاسة رئيس الحركة إسماعيل هنية إلى موسكو لتشير أيضًا إلى أمر غاية في الأهمية، هو انتصار المحور الداعي إلى التوازن في العلاقات بين (إسرائيل) والفلسطينيين، ضمن إدارة بوتين، وعدم الانحياز التام إلى الكيان الصهيوني، باعتبار أن الأخير قد حسم موقفه بتبني الخيارات الأميركية في المنطقة بشكل شبه مطلق.
إن اختيار حماس لموسكو كجهة دولية للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية، بدا اختيارًا موفقًا لعدة اعتبارات؛ أولها الموقف الروسي الداعم للمصالحة منذ 2007، ثانيها قرب الكرملين التاريخي من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وعدد من القادة الفلسطينيين، ثالثها أن وساطة موسكو لن تشكل استفزازًا للقاهرة نظرًا لتنسيق العاصمتين في عدد من الملفات المهمة، وكانت زيارة وفد حماس للسفارة الفلسطينية في روسيا ذات دلالة بالغة في هذا المجال.
وكان لقاء الوفد برئيس الدبلوماسية الروسية منذ 16 عامًا سيرغي لافروف، وما رشح عن اللقاء من توافق حول عدد من القضايا المهمة، دليلا إضافيا على نجاح الزيارة، كما أن اهتمام موسكو الكبير بالتوافق مع حركة حماس، يشير إلى أن العاصمة الروسية تعد الحوار مع الحركة التي لا يمكن عزلها ضرورة لمن يريد البحث في مختلف جوانب القضية الفلسطينية.