تطهو الطعام في المطبخ، وعيناها تدوران بحركة سريعة بين الحين والآخر على كل ما يمكنهما الوصول إليه في البيت، أما تركيز أذنيها فمُنصبٌ على صوت الأبناء، هذا يبكي، وهذا يصرخ على أخيه، وذلك صوت يشير إلى سقوط أحدهم على الأرض، بينما ظهور صوت التلفاز يدل على أن واحدا من الأبناء تسلل لمشاهدة التلفاز بدلا من إتمام حلّ واجباته البيتية.
ذاك جزءٌ من "قدرات خارقة" تتمتع بها الأمهات، وتكاد تكون متشابهة إلى حدّ التماثل في كل البيوت؛ في التقرير التالي نرصد ما يقول الأبناء عن قدرات أمهاتهن، وتفسير الأمهات لهذه الحالة.
التهديد المرغوب
"ولو إجيت ولقيته؟!" سؤال تهديدي تطرحه الأم بشكل تلقائي إذا ما سألها أحد أبنائها عن شيء يبحث عنه ولا يجده، والنتيجة معروفة، تجد الأم ضالة ابنها وتلقّنه درسًا في آليات البحث.
وعن ذلك يقول الشاب "إياد شعبان": "أبحث عن الشيء في كل مكان، وأفتش عنه في كل زاوية، وعندما أيأس من إيجاده أوجّه السؤال لأمي: (يمّا وين البلوزة؟، يمّا وين البنطلون؟ شفتي الكتاب؟..)، فيكون ردّها الأول: (هيّو عندك)، ثم تتبعه بالقول: (دوِّر منيح)، وأخيرا يأتي دور: (ولو إجيت ولقيته؟!)".
ويضيف: "تطرح هذا السؤال وكأنها تهددني بأنها ستجده بينما أنا لا أراه، أما أنا في قرارة نفسي فيسعدني سماع هذا السؤال حتى وإن كان غرضه التهديد، لثقتي بأنها ستجده بالفعل"، متابعاً: "الغريب أن كل الأمهات يملكن نفس المهارة، فكلّهن قادرات على إيجاد الشيء الذي يبحث عنه أبناؤهم، هذا ما أراه في محيط معارفي".
كيف تعرفين؟
"جهاز كشف الكذب" متوفر في بيت الطالبة الجامعية "مها أبو عودة" بفضل أمها وتحريّاتها وتحقيقاتها التي تجريها في أقل من نصف دقيقة، على حد قولها.
تقول: "إذا فكرت أنا أو أحد إخوتي بإخفاء شيء عن أمي، فالفشل حليفنا، لأنها تقرأ كل ما تضمره عقولنا، أما في حال الكذب، فكشف الحقيقة لا يستغرق الكثير من الوقت بالنسبة لها، كل ما في الأمر أنها تنتبه لوجود خلل في الكلام الذي تسمعه، فتطرح السؤال مرة أخرى، وربما تغير صيغته، مع نظرة خاصة توجهها لمن يكذب، وحينها لا بد من الاعتراف".
وتشير إلى أن أمّها تعرف بسهولة أشياء أخرى، كأن تحذّر أحد أبنائها من فعل شيء يخطط للقيام به فعلا، كأن تقول لأخيها الأصغر: "ما تضرب أختك"، بينما هو جالس في مكانه لا يبدو عليه أي نية للتحرك، ومن صدمته يعترف: "كنت حأضربها.. كيف عرفتِ يا ماما؟".
ومما تكشف والدة أبو عودة أيضا: "أكون في غرفتي لأدرس، بينما هي تشاهد التلفاز، فإذا بها تناديني قائلة: (سيبي الجوال، وركزي بدراستك)، والغريب أنني أكون قد أمسكت بالجوال للتو، لا أعرف كيف تتوقع الأمر، أحيانا أشعر وكأنها تملك عينين في ظهرها ترى بهما ما يجري خلفها".
هكذا أعرف
الإجابة عن السؤال المُحير "كيف عرفتِ يا ماما؟" تخبرنا بها "نور نور"، تقول: "من الطبيعي أن تعرف الأم طريقة تفكير ابنها، وتفهم ما يدور في عقله، وتتوقع ما ينوي فعله، فهي التي ربته، وبالتالي هي أخبر الناس به".
وتضيف: "قبل أن أكون أمّا، كنت أستغرب فعلاً من المهارات الغريبة التي تملكها الأمهات، ولكن بعدما رزقني الله بأبنائي عرفت السبب، ففهم الأم لأبنائها يمدّها بجزء من هذه القدرات، بالإضافة إلى المسؤولية التي تتحملها وتجعلها تفكر دوماً في حال أبنائها واحتياجاتهم وما قد يتعرضون له من خطر".
وجهٌ آخر
وتتحدث "ريهام أبو دية" عن وجه آخر لقدرات الأمهات: "غالبا نأخذ الأمر على محمل الضحك، ولكن لولا هذه القدرات لما استيقظت الأم في ساعة متأخرة من الليل لتطمئن على ابنها الذي شعرت فجأة بالقلق عليه وإذا به مريض فعلاً، ولما كشفت كذبه فقوّمت سلوكه، وما كانت لتنتبه إلى حزنه الخفي فتسأله عمّا يمر به لتخفف عنه ألمه وتساعده على حلّ مشكلته".
وتوضح: "لو لم تكن الأم تتمتع بقدرات خاصة، فلن تتمكن من تسيير أمور بيتها، فهي في ذات الوقت الذي تعد فيه الطعام، تساعد أحد أبنائها في حلّ واجباته، وتحذر الآخر من ضرب أخته، وتركض للحاق بابنتها التي توشك على الوقوع".
مهاراتٌ ممتدة
قدرات الأمهات الخارقة ليست محصورة داخل نطاق الأسرة، بل تمتد إلى نطاقات أخرى أكثر اتساعًا، ومنها، بحسب الشابة "إيمان عبد الرحمن"، مهارة "الفصال"، فللأمهات مهارات عالية الكفاءة في مفاوضة البائعين للحصول على السلع بأسعار منخفضة جدا مقارنة بسعرها الأصلي.
تقول إيمان: "في أي محل، وبخصوص أي سلعة، غالبا ما يكون الرد الأول لأمي بعد معرفة ثمنها أن تطلبها بأقل نصف السعر، فمثلا إذا قال البائع إن ثمن القطعة التي نرغب بشرائها 100 شيكل، يأتي جواب أمي الصاعق (40)، تقول الرقم بطريقتها الخاصة ودون أي كلمات أخرى".
وتضيف مازحة: "في هذه اللحظة يكون المشهد مضحكا، فالبائع تتغير ملامحه، ويتلون وجهه، ويحاول التعبير عن صدمته، أما أنا فأكون مشفقة عليه من أمي، وأوشك أن أقول لها (حرام عليكِ)، ولكنها تصمم على موقفها مستخدمة كلمات قليلة ونظرات معبّرة، والغريب أن النجاح حليفها غالبا في عملية الفصال هذه".
خارقة لكنها منطقية
الأم لابنتين وأربعة أبناء ذكور "جيهان منصور" تقول: "عندما تصبح الشابة أمًا تتغير فيها الكثير من الأمور، أولها امتلاك غريزة الأمومة، والإحساس بالأبناء وبأحوالهم، وهذا سبب لمعرفة الكثير من الأمور، خاصة ما يتعلق بمرضهم أو تعرضهم لمشكلة، أو مرورهم بمشاعر سعادة أو حزن".
وتضيف: "وكذلك تدرك السيدة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، فتبقى على يقظة دائمة، وانتباه مستمر لتفاصيل حياة الأبناء وتصرفاتهم، إلى جانب أنها تربّيهم فتفهم خصائص تفكير كل منهم، وعندما يكبرون يكبر فهمهما لهم، مما يجعلها تتوقع الشيء قبل حدوثه، ولذا فإن كل ما يبدو خارقاً، هو خارق بالفعل، لكنه منطقي تماماً".