الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين بلغ أشده الأشهر الأخيرة، والعلاقات الأمريكية الإيرانية، وصلت حد التصادم، ما قبل انتشار وباء الكورونا، وانطلاقه من الصين، وطرحت الكثير من التساؤلات المعلنة حول إمكانية أن تكون مؤامرة أمريكية لمواجهة الصين، ومخاوف دولية حول ذلك، ثم الحديث عن إيران واستهدافها في السياق نفسه.
مثار الحديث هو أن نظرية المؤامرة حاضرة لكن بنفس الوقت هناك ضرورات تحكم ذلك، بين نظرية المؤامرة التاريخية التي تستند لسلوك الجهات المسؤولة والحاكمة وبين استغلال واستثمار الأحداث لتمرير ما تريد من أجندة، وفي الجانب الآخر ضرورات الوقاية والحفاظ على سلامة الجمهور، وبينهما يكمن الشيطان الذي يقود السياسيين والحكام.
عليك النظر لطريقة تصرف السلطة في الضفة الغربية مع أزمة الكورونا لتحدد ذلك، حيث إنّها من حيث الشكل العام، فهي سلطة تتبع الاحتلال في كافة النواحي ومحكومة لسياسات الاحتلال في المعابر والبضائع والتنقل بين المدن الفلسطينية وبين مدن الاحتلال، والاحتكاك المباشر في كافة القطاعات اليومية، وتصل نسبة الاحتياج للتجاوز 60% سواء عبر الحواجز البينية أو المعابر الخارجية.
بعدما أعلن الاحتلال الطوارئ الصحية وناقش القضية بأبعادها ومخاطره، وما يتهدد على صعيد انتشار الوباء واكتشاف الحالات وخاصة من خلال السياح الذين يتنقلون بين الضفة والاحتلال، أجبرت السلطة على بدء إجراءات في ذلك، وهي هنا مجبرة وليست مخيرة، بل أصيبت بحالة من الهستيريا والإرباك في المعالجة، فذهبت لإعلان الطوارئ، هو قد يكون مهمًّا وبحاجة له، لكن دون تنسيق أو ترتيب فلسطيني يلبي الاحتياجات والضرورات، مما اضطرها للاستدراك.
لا يخفى أن السلطة استغلت انتشاره والضغط الإسرائيلي لتصدير مجموعة من الأزمات والفضائح التي شهدتها الفترة الأخيرة، بينها تصاعد الاعتقال السياسي وجريمة اغتصاب الزائرة الأجنبية من قبل عناصر في المخابرات وتصاعد الإضرابات في الاتحادات والنقابات، وما تبع إساءة محمود عباس لهم.
كل ما ذكر جزء من أزمة السلطة التي تسعى لاستغلال ذلك لصالح الحصول على دعم، والاستجابة للضغط الإسرائيلي، وبنفس الوقت وضعت قطاع غزة في أزمة التعاطي مع ما يعرف بالقرارات الشرعية، ليضغط الجمهور على الجهات الحكومية في غزة لتصبح تبعًا لحكومة اشتية في رام الله، دون أن تقدم الحكومة الاستحقاق مقابل ذلك، المتعلق بتوفير المستلزمات الطبية والاحتياجات العاجلة والطارئة المرتبطة بالطوارئ وتوفير ما يترتب على ذلك، وحصر القضية بمدى الالتزام بما تسميه حركة فتح الالتزام بالشرعية.
حادثة النصيرات الأليمة التي راح ضحيتها 9 شهداء وعشرات الجرحى والأضرار الواسعة، كشفت عن الوضع الكارثي لوزارة الصحة في غزة، وكذلك الدفاع المدني الذي عمل في ظروف قاسية جدًا وسط عجز في الكوادر البشرية والاحتياجات المادية، نتيجة الحصار والانقسام، وتخلي الحكومات المتعاقبة عن المسؤولية عن تطوير تلك الطواقم ومدها بالاحتياجات المهمة في مواجهة الكوارث والأزمات.
وهذا يؤكد أن الحاجة ملحة للتوازن بين الاستغلال البشع للقرارات السياسية وبين الضرورات المهمة الملحة المرتبطة بذلك، أدناها الإعلان عن قرارات واضحة بمد الطواقم الطبية والصحية والدفاع المدني، وإدارات المعابر والبلديات بالاحتياجات المهمة والعاجلة للقيام بعمليات الفحص والتعقيم والمعالجة لضمان عدم انتشارها، وهنا تظهر الندية بين تحويل الكورونا من فرصة انتهازية للجهات السياسية وبين المسؤولية الوطنية، والذي يظهر حتى الآن أنها خطوة انتهازية.