فلسطين أون لاين

"بركة رمضان حاضرة في رزق البحر"

الصياد أبو سلطان .. رحلة يومية مليئة بالخوف والرزق

...

غزة - عبد الرحمن الطهراوي

قبل السادسة صباحا، يبدأ الصياد رفيق أبو سلطان (51 عاما) بتجهيز شباك ومعدات الصيد التي سيصحبها في رحلة البحث عن الرزق بين أمواج البحر المتلاطمة، متعاليا على مشقة العمل في نهار شهر رمضان وآلام الظهر التي يعاني منها منذ عدة سنوات.

وبحركة سريعة وبحرفية صياد قضى نحو أربعة عقود في غمار البحر، يلقي أبو سلطان بشباكه الخضراء على ظهر قاربه الصغير، ليتأكد من خلوها من ثغرات قد تفسد عليه رحلة صيده، داخل عمق لا يتجاوز الستة أميال بحرية، وفق ما يسمح الاحتلال الإسرائيلي بذلك.

"يلا بسم الله .. اللهم بارك لنا واحفظنا من كل شر" يعطي أبو سلطان بذلك الإشارة لابنه عبد الله (20 عاما) للانطلاق وتشغيل محرك القارب بعدما شحنه بكميات كافية من السولار الصناعي، "إن شاء الله سنفطر في البيت على أصناف مختلفة من السمك" يخاطب الابن والده رفيق ذو البشر القمحية والشعر الأسود الجاف.

وبعد تقدم القارب لمئات الأمتار، شرع الابن عبد الله بإلقاء شباك الصيد في عمق مياه البحر، بينما انشغل الأب الخمسيني في مراقبة حركة الزوارق الحربية خشية من الاعتداءات الإسرائيلية المعتادة، وما هي إلا بضع دقائق حتى بدأت أسماك البوري والطرخون والسردين وأصناف أخرى تعلق بشباك أبو سلطان.


بركة رمضان

ممارسة مهنة الصيد في أيام شهر الصيام لها نكهة خاصة مفعمة بالمتعة والبركة في ذات الوقت، ويعلق أبو سلطان على ذلك "ما تنالوا شباك الصيادين في شهر رمضان يكاد يساوي مجموع الصيد في باقي شهور العام، فبركة شهر رمضان تكون حاضرة أيضا في رزق البحر".

ورغم ارتفاع كميات الصيد في شهر رمضان وتناسب أسعار البيع مع الأوضاع الاقتصادية السائدة، إلا أن إقبال المواطنين على شراء السمك يكون محدود خاصة في الأيام الأولى للشهر، ويرجع أبو سلطان أسباب ذلك إلى اعتماد المواطنين الغزيين على الأكلات المنزلية في الأسبوع الأولى لرمضان.

ويقول الصياد رفيق في حديثه لـ"فلسطين": "بعد انقضاء بضعة أيام تبدأ الأسعار بالانخفاض تدريجيا بالتوازي مع ارتفاع مستوى الإقبال، الذي يتركز غالبا على أصناف محددة تناسب العزائم الجماعية كـسمك اللوقس والطرخون والسكمبلة، والتي تتراوح أسعار بيعها ما بين 20و90 شيكلا لكل كيلو جرام".

مضايقات الاحتلال المتعددة، هي العائق الأكبر الذي يواجه الصيادين أثناء عملهم المحفوف دوما بالخوف، الأمر الذي أجبر بعضهم على هجر مهنة الصيد خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى إثر ذلك تقلصت أعداد الصيادين الغزيين من نحو عشرة آلاف صياد إلى قرابة أربعة آلاف، يعيلون أكثر من 50 ألف نسمة.

ويتعرض صيادو غزة لمضايقات إسرائيلية مختلفة كإطلاق النار عليهم بشكل مباشر من الأسلحة الرشاشة دون سابق إنذار وتمزيق شباك الصيد وتدمير معدات العمل، بجانب اعتقالهم وهم في عرض البحر، الأمر الذي يؤكد على عدم التزام الاحتلال باتفاق التهدئة الأخير 2014، الذي نص على حرية عمل الصيادين في نطاق 12 ميلا بحريا.

كميات وفيرة

"فكرت مرارا بترك البحر وبيع القارب؛ بسبب تقدم قطار العمر في ظل حاجة الصيد إلى قوة جسد وبدن عالية، فضلا عن انشغال أبنائي في أعمالهم وارتفاع نسبة المخاطرة واعتداءات جنود بحرية الاحتلال، والتي تصاعدت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ" يضيف أبو سلطان، الذي لا يبدي استعداده لتعليم أحفاده مهارات الصيد.

ويوضح أبو سلطان أن الاحتلال يسعى من وراء مضايقاته المختلفة إلى تشديد الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة منذ صيف عام 2007 وحرمان السكان من رزق البحر، كونه يعد وجبة أساسية مفضلة لدى آلاف العائلات الغزية وبديل عن اللحوم البيضاء في حال ارتفاع أسعارها.

مشقة الصيام وارتفاع درجة الحرارة في نهار رمضان، تدفع الصياد رفيق إلى الاستعجال في الانتهاء من رحلة صيده حاملا في حضن قاربه العتيد كميات وفيرة من الأسماك، على أمل بيعها في السوق وكسب بعض الأموال التي تساعدها في تلبية احتياجات عائلته في شهر رمضان ومتطلبات الزيارات.

ونصت اتفاقية أوسلو، التي وقعت بين السلطة الفلسطينية والاحتلال عام 1993، على السماح للصيادين بالعمل في مساحة 20 ميلا بحريا، التي يتوفر فيها الصيد الوفير، ولكن الاحتلال قلص على مدار السنوات العشر الماضية المساحة تدريجيا، بين ثلاثة وستة أميال وذلك لحجج أمنية مختلفة.

ويحتجز الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2008 أكثر من 35 مركب صيد صغيرا، تبلغ تكلفة الواحد نحو15 ألف دولار، بينما يعمل رواد البحر في ست مناطق صيد تفتقر إلى أدنى مقومات الصيد البحري، وهي شاطئ مدينة غزة والنصيرات ودير البلح وخانيونس ورفح وشمال القطاع.