هل تذكر –عزيزي القارئ- متى كانت آخر مرة وصلتك فيها رسالة ورقية عبر البريد العادي، أو تسلمتها عبر شخص ما وسيط بينك وبين مرسل الرسالة؟، يبدو أنك تحاول تحديد ذلك، فإما أنك تسلمت واحدة قبل مدة طويلة، أو أنك من الجيل الحديث جدًّا الذي لم يلمس رسالة ورقية بيديه.
الرسائل الورقية تكاد تختفي حاليًّا؛ نظرًا للتطور التكنولوجي الحديث، ما جعل الرسائل ترسل عبر البريد الإلكتروني أولًا، ثم عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها وتعددها.
لكنها ليست وحدها تختفي، فالعديد من الأجهزة لم يعد لها صدى كبير لدى المستخدمين، بعد انتشار الهواتف الذكية، وتعدد مميزاتها وقدراتها التي شملت وظائف مختلفة تغني عن أجهزة بعينها.
ويعتقد بعض أن إعلان ستيف جوبس في عام 2007م هاتف آيفون لم يكن مجرد إعلام فحسب، بل كان المؤتمر يومها نعيًا لعشرات الأجهزة التقنية التي استخدمناها سنواتٍ طويلة، فتطور الهواتف لتصبح ذكية كان قاتلًا، سفاحًا، بل مُدمرًا لبعض الأجهزة.
أشرف أبو حجاج مثلًا كان يعاني من قائمة المشتريات الورقية هو وزوجته، تارة يفقدها، وثانية ينسى أين وضعها، وأخرى لا يحضر كل ما فيها ربما لأنه لم يعرف ماذا كتبت زوجته، أما الآن فعبر رسالة جوال أو تطبيق (واتس أب) أو على برنامج الملاحظات الإلكتروني يسجلها بخط واضح ولا تضيع.
لكن يرى حيدر شنن أن الهواتف الذكية قتلت أشياء كثيرة في الحياة اليومية، ومنها أشياء رائعة وجميلة، مثل تحلق العائلة قبالة جهاز التلفاز لمتابعة فيلم أو برنامج، والكتب الورقية التي تحولت إلى قراءة إلكترونية، وأخيرًا الرسائل الورقية بخط اليد التي اختفت نهائيًّا كما يقول.
"لم تقتل أجهزة فقط"
في السياق يقول المختص في التقنية والإعلام الاجتماعي أحمد جمال: "إن الهواتف الذكية لم تقتل أجهزة فقط، بل العديد من التقنيات والأماكن أيضًا، فالأجهزة قتلت الساعة، والمنبه، وأجهزة الاستماع للموسيقا وأجهزة ألعاب الفيديو وحواسيب الألعاب و(البلاي ستيشن)، حتى إنها قتلت الحواسيب حينما وفرت برامج الأوفيس والمحادثة ... إلخ.
ويلفت جمال في حديثه مع صحيفة "فلسطين" إلى أنها قتلت خدمات كذلك، ومنها: توصيل الطلبات (الديلفري)، لكونه يمكن من طريق تطبيق جوال طلبها، وتأجير سيارات فيها خدمات عالمية، وقتلت بذلك شركات تأجير السيارات ومكاتب "الليموزين" في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول: "الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الأماكن، لاحظوا أن فكرة السينما أصبحت مهددة بالخطر مع وجود خدمة نتفلكس، وآبل تي في، وغيرها من الخدمات، وقتلت نهائيًّا محلات بيع الأفلام".
ويفسر جمال الأمر بكونه تطورًا طبيعيًّا لهذه التقنية؛ فالهواتف الذكية أصبحت خطيرة لأنها قتلت كثير من التقنيات والأماكن والوظائف، ومن الممكن مع كل تطبيق جديد قتل وظيفة ومكان ومهنة اعتادها العالم سنوات، مستدركًا: "لكنني أيضًا أراه مهمًّا لتسهيل حياة الإنسان في شاشة هاتفه الذكي".
ويصف تطور الأجهزة الذكية في المجال الطبي بأنه مشرف ورائع، ولا يعني أخذ التشخيص الرسمي من التطبيق، إلا أنه مفيد في فحص نبضات القلب، وضغط الدم، وغير ذلك.
ويضيف المختص التقني: "الخطورة تكمن في أن تفاصيل حياتنا حتى الصحية أصبحت بيد شركات مختصة، تستخدم هذه المعلومات بغرض التربح، إلا أن فكرة دراسة الروتين الصحي فكرة ثورية، وهي تساعد في المحافظة على الصحة"، موضحًا أن الساعات الذكية تذكر بشرب الماء مثلًا.
ويبين أن الهواتف الذكية لم تقتل بالمطلق كل ما هو غير ذكي، فما زالت الأجهزة غير الذكية تحافظ على الخصوصية ويستخدمها بعض الأشخاص، مؤكدًا أن الهواتف الذكية لن تقتل ذاتها، بل سيطور شكلها فقط.
ويشدد جمال على أنه ليس من الصحي أن تسيطر الأجهزة الذكية على حياتنا، لكن من الصحي أن نسيطر على حياتنا من طريقها، ففكرة أن عدد من البرامج موجودة في جهاز واحد توفر العديد من المهام على الشخص.
ويتابع: "من الممكن أنها تساعد على الكسل والخمول، فإن أراد أي طفل حساب عملية حسابية، يحلها على جهازه الذكي، لكن في الماضي كنا نبحث ونفكر"، مستطردًا: "لكن إن استخدمنا هذه القدرة الحسابية الهائلة في الأجهزة الذكية لتطوير فكرة أو مشروع أو اختراع؛ فنحن نسير في الاتجاه السليم".
أخيرًا من أهم الأجهزة التي قتلتها الهواتف الذكية أجهزة "الووكمان" والخرائط الورقية والآلة الحاسبة، والكاميرات التقليدية، والتلفاز، وأجهزة ألعاب الفيديو، و"الكاسيت" في السيارات، والساعات، والمنبهات، وقواميس اللغات، وخففت حمل بطاقات "الفيزا" و"الماستر كارد"، وكابينة الهواتف العامة في الشوارع مجرد نصب تذكاري غدت، وماذا قتلت في حياتك أنت عزيزي القارئ؟