سنوات قاسية عاشها الجنود الامريكيون في أفغانستان في الحرب الدائرة مع حركة طالبان منذ العام 2001، والتي كبدت الولايات المتحدة ما يقارب (3200) قتيل، بفعل المقاومة الشرسة التي أبداها عناصر طالبان، الامر لم يقف عند الكلفة البشرية بل امتد إلى كلفة مالية هائلة بلغت (760) مليار دولار بحسب ما نشرته وزارة الدفاع الأمريكية، على الرغم من أن دراسات أخرى ذهبت إلى التشكيك في هذه الأرقام لأنها لا تعكس الواقع، وقد أكدت جامعة (براون) في دراسة مستقلة أن حجم الانفاق وصل تريليون دولار.
وهذا ما أثار حفيظة الأمريكيين، وزاد من حدة الخلافات داخل المؤسسات الأمريكية حول جدوى استمرار الحرب، التي استنزفت القوات وأهدرت الموازنات دون تقدم ملموس، الأمر الذي دفع القيادة الأمريكية لاتخاذ قرار بإنهاء هذه الحرب، والبحث عن مخرج آمن، وظهرت التوجهات الأمريكية من خلال الذهاب إلى مفاوضات مع حركة طالبان أفضت إلى توقيع اتفاق سلام يقضي بانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من أفغانستان خلال 14 شهرا من توقيع الاتفاق.
ضمن اتفاق هزيل يظهر الأمريكي في حالة خضوع، وهو يوقع على اشتراطات تفرض عليه عدم استخدام القوة، بالإضافة لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وتوفير ضمانات برفع أسماء قادة طالبان من القوائم السوداء، وقوائم العقوبات، فالانتكاسات الأمريكية لا تتوقف عند جبال أفغانستان ووحل الحرب هناك، فقد سبق ذلك الإعلان عن انسحاب للقوات الأمريكية من العراق.
والذي شكل هزيمة استراتيجية في حرب الاستنزاف الدائرة مع قوى المقاومة العراقية، فكان ديسمبر 2011 هو الموعد الذي غادرت فيه العربات وأرتال الدبابات الأمريكية، بعد أن خلفت وراءها (4474) قتيلا وما يقارب (33) ألف جريح في صفوف القوات الأمريكية، مع إنفاق قارب تريليون دولار.
ويكفي أن نرصد هنا بعض آراء الخبراء والباحثين الأمريكيين، التي تدلل على حجم الخسارة والهزيمة: يقول (مايكل أوها نون) كبير الباحثين بمعهد بروكنجز في واشنطن (الحرب الأمريكية في العراق كانت باهظة ونتائجها متواضعة)، أما البروفيسور (أندرو باكي فيتش) أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن يقول (كم هائل من التضحيات لتحقيق قدر هزيل من النتائج).
والأمر امتد أيضا إلى قدرة القوات الإيرانية على المواجهة المباشرة واستهداف أهداف أمريكية، ومنها إسقاط الطائرة الامريكية (أركيو4 كلوبال هوك) بصاروخ إيراني فوق مضيق هرمز، بينما اكتفت واشنطن برفع لغة التهديد دون أن ترد، وتكرر الفعل المقاوم حين قامت القوات الأمريكية باغتيال الجنرال قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، ما دفع الحرس الثوري الإيراني لقصف قاعدتي (عين الأسد، وأربيل) بصواريخ باليستية، خلفت قتلى وجرحى لكن الأمريكي تكتم عن خسائره، وابتلع الضربة دون رد.
هذه المشاهد وغيرها حلقات طويلة على مر التاريخ تثبت أن المقاومة، ورفع كلفة الاحتلال والعدوان كفيلة بردعه، ودفعه للرضوخ، تمهيدا لانسحابه وهو يجر أذيال الهزيمة، ففي 12 سبتمبر 2005 انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة بفعل المقاومة الباسلة التي اشتعلت في القطاع ضد الأهداف الإسرائيلية، من إطلاق القذائف، والاشتباكات المسلحة، والتسلل للمستوطنات، وتفجير الاليات العسكرية، وغيرها من الصور المختلفة التي قلبت حياة الجنود والمستوطنين لجحيم لا يطاق.
امتد هذا الفعل لقدرة المقاومة على قصف غالب المدن المحتلة ومنها (تل أبيب) والذي أحدث تغييرا في موازين الردع وأسس لقواعد اشتباك جديدة، وهذا يحتم على كل اللاهثين وراء السلام، وأيديهم فارغة دون رؤية واستراتيجية، أن يتسلحوا بقدرات المقاومة وأن يفعلوا خيارات أكثر مصداقية وموضوعية، تستند لاعتبار مشروع المقاومة السبيل لتحرير فلسطين، فالقوة هي من تفرض سلام حقيقي يؤسس لرحيل الاحتلال.