يتابع عاهد الداية، من سكان مخيم الشاطئ للاجئين، غرب مدينة غزة، جيدًا، الأخبار الصادرة عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ويبدو الداية -الذي يحمل بطاقة لاجئ ويبلغ عمره (43 عامًا)- قلقًا إلى حد كبير مع تلويح الوكالة الدولية بإمكانية تقليص ووقف خدماتها المقدمة للاجئين في مناطق عملها، إثر الأزمة المالية الممتدة منذ مطلع 2018.
ويقول لـ"فلسطين"، إنه لا يملك مصدر دخل، ويعتمد كثيرًا على الخدمات المقدمة له في عدة مجالات، ومنها السلة الغذائية التي يتسلمها من "الأونروا".
وأُجبر أكثر من 600 ألف فلسطيني على اللجوء من أراضيهم إثر المجازر التي نفذتها "العصابات الصهيونية"، وأدت إلى إقامة دولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما عرف لاحقًا بـ"النكبة".
لكن بعد مرور أكثر من 70 سنة على احتلال فلسطين، ما زال الرجل الذي تنحدر أصوله من مدينة يافا، شمالي فلسطين المحتلة منذ سنة 1948، متمسكًا بأرضه التي هجر أهله منها قسرًا تحت وطأة المجازر الدموية.
وعبر عن ذلك بمشاركته في مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار التي انطلقت نهاية مارس/ آذار 2018، رفضًا لإعلان رئيس الإدارة الأمريكية القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل).
أصابته "فراشة"
وكان الداية -المسؤول عن أسرة قوامها 9 أفراد، 3 أبناء و4 بنات وزوجته- واحدًا من الآلاف الذين دفعوا ضريبة القمع الإسرائيلي العنيف للمتظاهرين السلميين، فأصابه أحد قناصة جيش الاحتلال قرب السياج الفاصل شرق غزة، برصاصة من نوع "فراشة"، في الفخذ الأيمن، ذهبت بثمانية سنتيمترات من ساقه، وأبقته مقعدًا لا حول له ولا قوة.
وصادف تاريخ إصابته يوم نقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس المحتلة في 14 مايو/ أيار 2018، والذي قتل خلاله جيش الاحتلال بغزة أكثر من 70 متظاهرًا سلميًّا بينهم أطفال، شرق غزة، حيث هبَّ المتظاهرون رفضًا للقرار الأمريكي، تزامنًا مع سلسلة فعاليات حول العالم مناوئة للخطوات الأمريكية.
وبذلك أصبح الداية واحدًا من آلاف اللاجئين العاطلين عن العمل في قطاع غزة، وليس لهم مصدر دخل ثابت.
"كنت أعمل في بيع السمك مع والدي والآن غير قادر على فعل شيء" قال الداية وبدا آسفًا على حاله.
وبات أكثر من أي وقت مضى يؤمن بضرورة استمرار الوكالة الأممية في تقديم خدماتها للاجئين تزامنًا مع سوء الأوضاع الاقتصادية وتداعيات تفشي الفقر والبطالة في قطاع غزة، الذي يؤوي أكثر من مليون لاجئ من أصل مليوني نسمة يسكنون هذه البقعة؛ البالغ مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا.
ويقول: إن السلة غذائية تحتوي على أغذية ضرورية؛ ومنها: العدس، الرز، السكر، الطحين، السيرج "زبت القلي" وعلب السردين.
لكن توزيعها على اللاجئين مرة واحدة كل 3 أشهر، بواقع سلة واحدة لكل أسرة، يجعلها لا تكفي لشيء.
وبحسب "الأونروا"، فإن أكثر من مليون لاجئ يتلقون خدمات مختلفة من الوكالة الأممية في قطاع غزة وحده.
ويقول اللاجئ سعد المصري من سكان مخيم الشاطئ، إن تعداد سكان المخيم يقارب 100 ألف نسمة، جميعهم من اللاجئين من الأراضي المحتلة، ويتلقون خدمات من وكالة الغوث.
خدمات منوعة
وحول طبيعة هذه الخدمات، قال المصري لـ"فلسطين" إنها تتنوع ما بين صحية وتعليمية واجتماعية وبيئية.
وأكد أن هذه الخدمات هي من تبقي اللاجئ على قيد الحياة تزامنًا مع تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة، غير أنها لم تعد كاملة -وفق المصري- والدليل على ذلك البنية التحتية المدمرة في مخيم الشاطئ، وهو واحد من 8 مخيمات للاجئين تتوزع في محافظات غزة من شماله حتى جنوبه.
ويؤكد المصري أهمية استمرار الوكالة في تقديمها للاجئين، لكن مهما كانت هذه الخدمات فهي لن تعوض اللاجئ جزءًا من حقه بأرضه التي احتلتها "العصابات الصهيونية"، وأقامت عليها "وطنًا" مزعومًا سمته (إسرائيل).
وخاطب المصري المجتمع الدولي والأمم المتحدة قائلاً: "عليكم ألا تنسوا قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يضمن حق عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة"، عادًّا التقليصات، محاولة لكسر إرادة اللاجئ.
وبلغت الأزمة لدى وكالة الغوث، إلى إعلانها أن أموال المانحين المقدمة إليها، تكفي لتغطية نفقاتها حتى مايو/ أيار المقبل، في مناطق عملها الخمس؛ قطاع غزة، والضفة الغربية المحتلة، والأردن، وسوريا ولبنان.
لكن مسؤول اللجنة الشعبية للاجئين في معسكر الشاطئ نصر أحمد، قال: إن "الأونروا" لم تبدأ في تقليص خدماتها منذ اليوم؛ ولكن بدأتها منذ زمن طويل بحجة نقص التمويل إثر عدم استجابة عدد كبير من المانحين لنداءات الوكالة بالتبرع، بسبب ضغوط مارستها (إسرائيل) وأمريكا، الساعيتين إلى تصفية قضية اللاجئين وشطبها وتجفيف موارد الوكالة.
وذكر نصر لـ"فلسطين"، أن ذلك يؤثر في 5.6 ملايين لاجئ فلسطيني يتلقون الخدمات الإغاثية، وستنعكس التقليصات سلبًا عليهم.
تقليصات مستقبلية
ويتطلع نصر بخطورة إلى التقليصات التي أقرتها "الأونروا" وستقر المزيد منها مستقبلاً إن لم يلتزم المانحون بتوفير التمويل اللازم لاستمرار تقديم خدمات "الأونروا" التي لا تملك وسائل ضغط على المانحين، ويتماشى بعض مفوضيها مع سياسات الإدارة الأمريكية التي قرر رئيسها ترامب مطلع 2018، وقف تمويل بلاده للوكالة، والبالغ قيمته 360 مليون دولار سنويًّا.
وأكد أن اللاجئين بصدد تنفيذ سلسلة فعاليات ضد التقليصات، لإيصال رسالة للمانحين بضرورة زيادة الموازنة.
وكان الناطق باسم عمليات "الأونروا" في غزة عدنان أبو حسنة، أوضح أن الوكالة أعلنت ميزانية عام 2020، بقيمة مليار وأربعمائة مليون دولار؛ وتعهدت دول مانحة بتوفير 299 مليون دولار، لكن فعليًا الأونروا لم تتسلم سوى 123 مليونًا، وهي تكفي لتغطية نفقاتها حتى أيار.
وذكر أبو حسنة في تصريح لـ"فلسطين" الأسبوع الماضي، أن برامج لدى "الأونروا" لم يعد لديها تمويل على الإطلاق، كبرنامج الطوارئ. وإثر ذلك، فإن "الأونروا" قررت إبقاء الشواغر كما هي، كما سيتأخر حصول موظفيها على الزيادات التي طالبوا بها.
ونبَّه إلى أن عدم حصول "الأونروا" على التمويل اللازم حتى مايو المقبل، لن يمكن الوكالة من تنفيذ التفويض الممنوح لها، وهذا ما ألمح إليه مبعوث الأمم المتحدة لعملية التسوية في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الاثنين الماضي، والذي حذر خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، من "التحديات المالية الكبرى أمام "الأونروا".
وتابع ملادينوف: "من دون مزيد من الدعم المالي، سيتم تعليق الخدمات الحيوية بغزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، اعتبارًا من أواخر نيسان/ إبريل المقبل، ما سيؤدي إلى تداعيات إنسانية خطيرة"، داعيًا الدول الأعضاء إلى "مواصلة دعم برامج الأونروا الأساسية، لضمان استمرار عملها.