قائمة الموقع

كيف تشوه الرواية الصهيونية التاريخ

2020-02-29T22:49:00+02:00

والتر ل. هيكستون

(تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط)

في منتدى للمجتمع اليهودي التأم في مانهاتن في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2019، قام جيفري غولدبيرغ، حارس السجن الإسرائيلي السابق ورئيس التحرير الحالي للمجلة الصهيونية "الأتلانتيك"، بتشويه الماضي والحاضر على حد سواء وبصفاقة، من أجل تبرير القمع الإسرائيلي في فلسطين.

وشرح غولدبيرغ –لمصلحة جميع "الأغبياء" الذين قد يشككون في حق الصهاينة في السيطرة على فلسطين -أن اليهود هم "الهنود" في واقع الأمر، وأن الفلسطينيين هم "رعاة البقر" الذين يسعون إلى طرد اليهود من وطنهم الشرعي.

وبينما يُعلن، من غير تكلُّف: "من أجل فهم ما يجري تاريخيا، فإنك تحتاج إلى فهم التاريخ"، ذهب غولدبيرغ إلى إعلان أنه لا يعرف في الواقع سوى القليل جدا عن التاريخ، سواء فيما يتعلق بالسكان الأصليين في الولايات المتحدة بالشعب اليهودي أيضًا. وأكد الصحفي البارز أن وضع اليهود في (إسرائيل) هو "المعادل للسيمينول (1)… حين يجتمعون ويقررون أنهم سيعودون إلى فلوريدا" للمطالبة بها باعتبارها وطنهم الشرعي.

كبداية، ما تزال لدى السيمينول أراضٍ قبلية في فلوريدا (يمكنك زيارتها إذا أردت، كما فعلت أنا). ولذلك، على العكس من قول غولدبريغ، لم تغادر بعض مجموعات السيمينول فلوريدا أبدًا على الرغم من الحروب الثلاث التي شنها المستوطنون الأمريكيون عليها في القرن التاسع عشر. وكان المستوطنون هم "رعاة البقر" الغزاة لهذه الأوطان الأصلية، تمامًا كما قام الصهاينة بغزو فلسطين واستمروا في توسيع احتلالهم لها. ولدى الأمريكيين والإسرائيليين تاريخ مشترك من الاستعمار الاستيطاني، لكن غولدبيرغ يبتعد بطبيعة الحال عن هذا المصطلح وتداعياته.

لقد حارب السيمينول -الأكثر شبها بالفلسطينيين منهم بالصهاينة- بعناد من أجل الاحتفاظ بأوطانهم، وبطريقة أثارت حفيظة الأمريكيين، بمن فيهم أندرو جاكسون، الذي كان غاضبًا من استمرار المقاومة الهندية بمساعدة من العبيد الهاربين. وقد وصف بعض المؤرخين "حرب السيمينول" غير المعروفة كثيرًا، وإنما التي كانت في ذلك الوقت محبطة للغاية (والتي امتدت الثانية منها من العام 1835 إلى العام 1942) بأنها المعادل لحرب فيتنام بالنسبة للأمريكيين في تلك الحقبة.

إن التاريخ شأن معقد، وهناك دائمًا العديد من طبقاتها التي لا بد أن تتكشف. كان السيمينول مثل اليهود –ولو أن غولدبيرغ لن يكون معجبًا بهذا الجزء- من حيث أنهم لم يكونوا مجموعة عرقية متجانسة أو أمة "حقيقية". فقد تشكلت قبيلة السيمينول عندما تجمع اللاجئون من العديد من القبائل معًا، وليس نتيجة للعرق المشترك أو لنوع من الأمة الفطرية، وإنما من أجل البقاء على قيد الحياة أثناء فرارهم جنوبًا إلى مستنقعات فلوريدا وسط الحروب المدمرة من أجل استعبادهم التي أطلقها في جميع أنحاء الجنوب الشرقي تجار الرقيق الهندي من البيض والعصابات المحلية المتنافسة. وقد اندلعت حروب العبيد هذه بعد وصول المستوطنين الإسبان والإنجليز وغيرهم قبل أن تصبح العبودية الأفريقية هي السائدة، وقبل وقت طويل من اندلاع الثورة الأمريكية.

إن السيمينول، بكلمات أخرى، هم -مثل اليهود؛ مثل الفلسطينيين؛ مثل الأمريكيين؛ مثل البريطانيين والفرنسيين وكل شخص آخر عمليًا- شعب وأمة مُخترعَين.

في تأملاته في منتدى مانهاتن، أعرب غولدبيرغ عن أسفه لأن كل جيش إسرائيل قد لا يستطيع حل القضية الفلسطينية بالكامل، ومع ذلك، لو أن الناس يفهمون التاريخ فقط كما فعل هو –لو أن بالإمكان جعل الناس "الأغبياء" يفهمون أن اليهود أمة (وليس مجرد ثقافة أو ديانة)، وأنهم كانوا هناك أولًا- لكانت مسألة مصير فلسطين ستحل.

الكتاب المقدس والتاريخ

ومع ذلك، فإن الحقيقة التاريخية هي أن اليهود لم يكونوا نوعًا من مجموعة مميزة عرقيًا ناهيك عن أن يكونوا أمة وشعبًا، كما أنهم لم يكونوا السكان الأوائل والوحيدين لتلك الأرض التي هي إسرائيل- فلسطين اليوم. إن البحوث التاريخية والأثرية والأنثروبولوجية تدحض هذه الفكرة.

وهكذا، لم يكن "تاريخ" غولدبيرغ المشوه والمحرّف سوى إعادة سرد للخرافات والأساطير القديمة. وكما يشرح المؤرخ الإسرائيلي، شلومو ساند، في كتابه الممتاز، "اختراع الشعب اليهودي"، فإنه تم رفع "ملحمة اليهود القدامى إلى مكانة الرواية، مع وجود فجوة غير قابلة للجسر" بين قصص الكتاب المقدس وما هو معروف من التاريخ الفعلي. لقد ابتكر اليهود، مثل السيمينول، أنفسهم كثقافة وكدين، وإنما لم تكن لديهم أمة فطرية أو عرقية تحت السماء.

إن الجهل بالماضي لا يمنع أشخاصًا مثل غولدبيرغ من التصرف بصفاقة وبطريقة مضللة كما لو أنهم يعرفون التاريخ، عندما لا يعرفونه بكل وضوح. وقد أصبح الدجالون والتوراتيون الحَرفيون -الأصوليون المسيحيون وكذلك الصهاينة- يظهرون أمام النظر بشكل متزايد في محاولة يائسة لتقديم تبرير إلهي للقمع الإسرائيلي والاستيلاء الوحشي على القدس والضفة الغربية. في نسيان (إبريل) الماضي، أعلن داني دانون، ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، وهو يرفع الكتاب المقدس عاليًا بطريقة درامية، "هذا هو الصك لامتلاك أرضنا". وأكد سياسي الليكود والمسؤول السابق في جيش الدفاع الإسرائيلي، أن "الملكية المشروعة للشعب اليهودي لأرض إسرائيل" كانت "موثقة جيدًا في جميع أنحاء العهد القديم وخارجه". وهكذا، قدم الكتاب المقدس لدولة إسرائيل الحديثة "ميثاقًا أبديًا" يربطها بـ"أرض كنعان".

ولم يكن وحيدًا في ذلك. فعندما سئل في العام 2019 لماذا أدان المدافعين الأمريكيين عن تفوق البيض العرقيين في الولايات المتحدة بينما يبرر في الوقت نفسه فكرة "الدولة اليهودية" في (إسرائيل)، أجاب مورتون كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية: "(إسرائيل) وضع فريد" لأنها "دولة يهودية أعطانا إياها الله". وأضاف: "لم يخلق الله دولة للناس البيض أو للناس السود" وإنما لليهود فقط. وكلاين محافظ يميني، لكن السيناتور تشارلز شومر، مثل غولدبيرغ، ديمقراطي ليبرالي من نيويورك، والذي تحدث في مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية في 2018، ليعلن: "بالطبع، نحن نقول إنها أرضنا، التوراة تقول ذلك".

الواقع التاريخي هو أنه لا يوجد أي مبرر، كتابيًا كان أو غير ذلك، لما يدعمه دانون وغولدبيرغ وبنيامين نتنياهو وكلاين والعديد من الصهاينة الآخرين -بالتحديد المطالبة بكل فلسطين والقمع الوحشي المستمر لسكانها الأصليين. وبما أن عدوان (إسرائيل) يحول نتيجة لذلك دون إمكانية تحقيق حل الدولتين، فإن هؤلاء المتطرفين الصهاينة يرفضون في الوقت نفسه حل الدولة الواحدة الذي قد يعيش فيه اليهود والفلسطينيون بشكل مشترك. وبدلًا من الديمقراطية، فإنهم يدعمون الحكم الاستعماري والفصل العنصري والقمع المستمر القاتل.

يدعي المتطرفون الصهاينة بأن الله يقف إلى جانبهم. وإذا تجرأتَ على معارضتهم، فسوف يسمونك معاديًا للسامية، ويقترحون القوانين لكبح حريتك في التعبير. ولديهم في ذلك دعم الكونغرس الأمريكي والأصوليين اليمينيين، لكن هناك شيء واحد لا يملكه المتطرفون الصهاينة إلى جانبهم: التاريخ.

  1. السيمينول: قبيلة من الأمريكيين الأصليين في ولاية فلوريدا. وهي تضم ثلاث قبائل معترف بها فدراليا ومجموعات مستقلة، ويعيش معظمهم في أوكلاهوما مع أقلية في فلوريدا. نشأت أمة السمينول من قبائل كريك في مناطق شمال موسكوجي. وكلمة سيمينول هو تحريف لكلمة سيمارون Cimarron، وهو مصطلح إسباني يعني "الهارب" أو "البري".
اخبار ذات صلة