هدنة جديدة دخلت حيز التنفيذ من أجل وقف إطلاق النار بوساطة مصرية وأممية بعد أيام من التصعيد الإسرائيلي على غزة، أجبِر عليها الاحتلال بعد أن ردت حركة الجهاد الإسلامي على العدوان الإسرائيلي بقوة أدت إلى تذمر مستوطني غلاف غزة وتدهور سمعة نتنياهو السياسية قبيل الانتخابات.
نتنياهو أراد تحقيق مكاسب انتخابية أكثر من الذهاب إلى حرب مفتوحة فهو يجني ثماراً سياسية في هذه المرحلة ويحاول توظيفها في المعركة الانتخابية، ليؤكد للناخبين أنه يحقق إنجازاً كبيراً على المستوى السياسي.
ففي الظروف الطبيعية كان من الممكن أن يرحب نتنياهو بالحرب على غزة، إلا أن اندلاع أزمة أمنية قاسية حادة قبل سبعة أيام من الانتخابات رَدَعه عن ذلك، وبالتالي نتنياهو لا يريد الانزلاق إلى مواجهة شاملة قد تستمر عدة أسابيع ويعطل مشاريعه السياسية، لذلك يرى أن الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزة يحقق مفعوله دون توجيه ضربة لغزة، فهو يتنصل من التفاهمات ويحاول فرض وقائع جديدة ليقول للناخب إنه يتعامل بشكل حازم مع القطاع، لكن المقاومة الفلسطينية أوصلت رسالة من خلال ردها بأنها لن تقبل تغيير قواعد الاشتباك أو أن تمر جرائمها بلا عقاب.
إن تباطؤ الاحتلال في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والتراجع قليلا عن الاستمرار في التفاهمات مع الفصائل نتيجة الضغوط الداخلية وحسابات الانتخابات بدأت فصائل المقاومة في غزة تسخين جبهة غزة من جديد للضغط أكثر على الاحتلال للاستمرار في التفاهمات، عبر إطلاقات دفعات من البالونات الحارقة على مستوطنات غلاف غزة بهدف الضغط أكثر على الاحتلال للاستعجال للانتقال من مرحلة التهدئة لمرحلة الهدنة طويلة الأمد بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المنهارة في غزة.
كثير من الناس لا تفرق ببن التهدئة والهدنة والأصح ان هناك لبسا في هذين المفهومين لدى عامة الناس، لكن الاحتلال يفرق بين المصطلحين وفق مصالحه، فمن البديهي أن نفرق بين (مرحلة التهدئة ومرحلة الهدنة) التهدئة بأفق انساني مختلفة تمامًا عن الهدنة بأفق سياسي، أحيانا البعض يخلط ما بين التهدئة والهدنة وكأنهما أمر واحد.
الاحتلال ليس لديه مشكلة في التهدئة التي ترتكز على أساس نظرية (الراس فوق الماء بينما الجسد غارق في الأزمات) فهو يتعامل مع غزة وفق هذه النظرية (تسهيلات إنسانية ولا حلول عملية لمشاكل غزة ومن يحكم غزة).
لذا تطبيق تفاهمات التهدئة سيستمر إلى حين إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة (الإسرائيلية) الجديدة، لأن الاحتلال يريد الهدوء او تهدئة قصيرة الاجل وليس هدنة خلال هذه الفترة وليس على استعداد لفتح جبهة مع غزة، بدليل أن سلطات الاحتلال اتخذت سلسلة اجراءات ضد غزة من بينها اغلاق المعابر ومنع الصيد البحري، ومن المفروض أن ترفع هذه العقوبات بعد اتفاق التهدئة، لكن الاحتلال كعادته لا يلتزم باتفاق التهدئة، فهذا الاتفاق ليس الاول من نوعه والارجح انه لن يكون الاخير.
الواقع يؤكد أن غزة تعيش فترة انتقالية ما بين التهدئة والهدنة، فترة يحاول كل طرف استخدام ما لديه من أدوات ناعمة وخشنة لتحقيق أكبر مكاسب في هذه الفترة الحساسة. أمام هذه المعادلة الصفرية والدائرة المغلقة سوف نستمر بين التهدئة والتصعيد لحين الانتهاء من الجولة الثالثة من الانتخابات الإسرائيلية، وبعدها لكل حدث حديث.