بعد شهرين من العمل المتواصل، أنجز ثلاثة فنانين تشكيليين من مدينة غزة رسم جدارية ملونة توثق حياة الفلسطينيين قبل نكبة عام 1948 وبعدها, وتبرز في ثناياها معالم مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى ودلالات تراثية ووطنية أخرى.
وعلى أحد أسوار مدرسة عوني الحرثاني، شمال القطاع الساحلي، تتوسط الجدارية البارزة التي حملت عنوان "لن يصمت الأذان", وشارك في تنفيذها ثلاثة معلمين للتربية الفنية؛ وهم هاني المدهون، وإسماعيل كلوب، وإبراهيم أبو فول.
وعرضت الجدارية، التي تميزت جل عناصرها بأنها ثلاثية الأبعاد وبارزة المعالم: قبة الصخرة المشرفة وبيوت مقدسية محاطة بها وفوقها كتبت كلمات الأذان، وبجانبها رسمت نافذة لبيت وسراج قديم يوقد بالكاز للإنارة، وكذلك وضعت مجرشة حجرية (طاحونة) في طرف الجدارية.
الفنان إسماعيل كلوب عدّ الجدارية بمثابة رسالة تضامن ووسيلة احتجاج سلمية على القرار الإسرائيلي الذي يحظر رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في ساعات الليل والفجر بمدينة القدس والداخل المحتل، وفي الوقت ذاته تحكي حكاية الوطن فلسطين وتاريخه العريق.
وأوضح كلوب لمراسل "فلسطين" أن العمل بالجدارية بدأ نهاية العام الماضي ووصلت إلى المراحل النهائية في مطلع الشهر الجاري، حتى تم افتتاحها بمهرجان وحضور رسمي، مشيرًا إلى أنه يرى في الجدارية فرصة للأجيال الناشئة من أجل التعرف على الأحداث التي مرت بها قضيتهم.
وزين الجانب العلوي من العمل الفني بأوراق وقطوف شجرة العنب، أما على الحائط الذي قسم على هيئة أحجار طوب صغيرة، فعلق الفنانون عكازًا خشبيًا وحطة تراثية وذلك بجوار منجل زراعي وصينية قش يفصل بينها باب خشبي قديم، وعند الجانب الأيسر للجدارية وضعت جرة ماء فخارية يعلوها نافذة وبكرج قهوة نحاسية.
ويكمل الحديث زميله الفنان هاني المدهون بالقول: "تبلورت فكرة تنفيذ هذه الجدارية الضخمة على حائط إحدى مدارس شمال غزة التزاماً منا بدورنا الوطني ورغبة في التعبير عن استنكارنا لسياسات الاحتلال العنصرية"، مضيفا: "كل منا يعبر عن مواقفه بالطريقة التي يراها مناسبة ونحن عبرنا عما يجول بخواطرنا بالريشة والألوان".
وبين المدهون لصحيفة "فلسطين" أن مراحل تجهيز اللوحة بدأت برسم المخطط الأولي للجدارية وتجهيز الحائط ثم تحديد أهم العناصر والأفكار الفنية التي يجب أن تتوفر بمضمونها، وصولًا إلى مرحلة التشكيل والبناء والتلوين، مؤكدًا أن "الفنان يتأثر بالأوضاع السائدة ولا يمكنه الانسلاخ عنها".
وعن طبيعة المعيقات التي واجهها الفنانون الثلاثة، ذكر إبراهيم أبو فول أن المادة الأساسية لتشكيل معالم الجدارية التي بلغت مساحتها 20 مترا مربعا، كانت مادة البناء "الإسمنت" الأمر الذي جعل موعد إنهاء تجهيز العمل الفني مرتبطًا بتوفر الإسمنت في السوق المحلي.
وأشار الفنان إبراهيم إلى أن الجدارية نالت إشادة واسعة من المختصين، كونها تميزت بأنها ثلاثية الأبعاد وذلك للمرة الأولى على مستوى غزة إلى جانب تميزها بالشمولية ووضوح الرسالة التي تسعى إلى إيصالها، مبينًا أن الدعم الذي قدمته إدارة المدرسة ساهم بشكل كبير في إخراج اللوحة إلى النور.