فلسطين أون لاين

نجحت في أن أثبت بأنه يمكن الجمع بين العلم والعائلة

د. علياء كيوان.. باحثة بأهم مشفى للسرطان في ألمانيا

...
صورة أرشيفية لعلياء كيوان
غزة - آلاء المقيد

"باحثة وزوجة وأم" بينما كانت تؤدي "علياء" تلك الأدوار الثلاثة في شخصية واحد, دار نقاش ذات مرة بينها وبين بروفسورة جامعية في ألمانيا, والتي كانت غير مقتنعة بأن العلم والعائلة يتفقان سوياً, فكان خيارها العلم, أما علياء فعارضتها قائلةً: "سأحقق حُلمي وأجتاز شهادة الدكتوراة بين عائلتي وأطفالي الثلاثة", ما كان من تلك البروفسورة حينها إلا كلمة "أوك" بمعني "غداً نرى".

مرّت الأيام وأتى غداً المنتظر؛ وتحقق "حلم الطفولة تحوّل إلى واقع بعد مرحلة ليس من السهِل تجاوزها, لولا إيمانها بقدرة المرأة في التعبير عن ذاتها والسير نحو طموحها مهما كان الطريق معبداً بالعقبات, ومحفوفاً بكثير من الضغوطات, فمن هذا الذي زرع ولم يحصد وسار على الدرب ولم يصِل.

ضيفة "فلسطين" د. علياء كيوان (38 عاماً) أردنية من أصولٍ فلسطينية باحثة في علم الأحياء الجزئية في مستشفى هايدلبرغ بألمانيا وحاصلة على دكتوراة في بيولوجيا السرطان الجزيئية, كاتبة مقالات , وإضافة إلى نجاحها الأكاديمي حققت نجاحاً أيضاً على المستوى الاجتماعي, حيث أسست جمعية المرأة العربية, وهي أول مجلة إلكترونية ناطقة باللغة العربية في ألمانيا تهتم بشؤون المرأة والأسرة العربية بشكل عام.

عاشت "علياء" طفولتها وسط أجواء من الفضول المعرفي وحُب للقراءة, كانت تسأل كثيراً إلى الحد الذي يُسبب في بعض الأحيان ازعاجا لمن حولها, فأمها كانت تصِف فضولها: "مصرّة تعرفي البيضة مين باضها", أما والدها فيخفي الكتب من أمامها كي لا يؤثر ابحارها في القراءة على تحصيلها العلمي آنذاك.

قراءتها لسِير العلماء واكتشافاتهم وهي في الصف الرابع الابتدائي أثرّ بشكلٍ كبير على تفكيرها, إذ بدأ الطموح يتشكل عندها من ذلك الحين؛ وكما كان لكل منّا حُلم في الطفولة, كان حلمها أن تُصبح عالمة وتخيلت نفسها كثيراً في هذا المقام الذي هي عليه الآن.

تقول: "ميولي لهذا النوع من الكتب أيضاً أثر على طريقة تعامل والديّ معي, كنّا إذا لعبنا معاً يختبرون ثقافتي العلمية فيسألوني من اخترع الآلة كذا؟, ومن المسئول عن الاختراع الفلاني؟.. وكنت أجيبهم".

وبعد تفوقها في الثانوية العامة, ظلّت النصائح في اختيار التخصص الجامعي تدور حولها كعقارب الساعة ففي المحيط العائلي والمجتمعي, "الغالب يُفضل مجال التدريس للفتاة, فهو يُناسبها أكثر من أي تخصص آخر سيما بعد الزواج", كل ذلك لم يؤثر على قرار علياء في اختيار التخصص الجامعي الذي ترى فيه طموحها لتُصبح عالمة, فالتحقت بقسم العلوم الحياتية.

" شو انترنت ! "

في المرحلة الجامعية لم يُشبع شغف علياء الكتب المنهجية, ولم تتقيد بما هو بين دفات الكتب المقررة, فكانت تقضي وقتاً طويلاً بين رفوف المكتبة الجامعية, تبحث عن أجوبةٍ لكل تساؤلاتها, وتُبحر في علوم المعرفة وأيضاً لم يكفها, تُردف بعد ضحكة عرفنا سرها فيما بعد: "التقيتُ بزميلة ماليزية سألتها عن طرق للاستزادة العلمية, فدلتني على الانترنت, في ذلك الوقت (1998م) الانترنت لم يكن معروفاً أذكر سألتها متعجبة " شو هو الانترنت؟" , فكنت أول طالبة تستخدمه في الجامعة".

وبعدما انتهت من دراسة البكالوريوس كانت تطمح باستكمال الدراسات العليا لكن الظروف المادية للعائلة لم تكن تسمح بذلك خاصة؛ وأن لضيفتنا ستة إخوة في مراحل جامعية مختلفة, فدراستها للماجستير سيكون على حساب البقية؛ لذا آثرت أن تنتظر الفرصة المناسبة .

بدأت تعمل بالمختبرات الطبية كي تُهيأ الظروف مادياً وتلتحق بالدراسات العليا, لكن الخيار الذي انتظرها في تلك المرحلة كان مخالفاً لما تُخطط له, فما هو؟! تُجيب: "شاء القدر أن أرتبط في تلك الفترة وقررت تأسيس عائلة, ثم العودة إلى استكمال بناء طموحي, فتزوجتُ وانتقلت للعيش في ألمانيا وأنجبت ثلاثة أطفال".

"تجربتها في ألمانيا"

ضيفتنا متواجدة في ألمانيا منذ 14 عاماً , لم تكن السنوات الأولى هينة عليها, لا سيما على النساء العربيات اللواتي يسعين لإثبات أنفسهن وسط مجتمعٍ يختلف كلياً عن مجتمعاتهن العربية, فتعلمت اللغة وأنجبت طفلين , وانتظرت الماجستير ست سنوات حتى تمكنت من حجز مقعد في جامعة هايدلبرغ, ورغم فارق السن بينها وبين زملائها تم قبولها في برنامج ماجستير العلوم الجزئية" .

خلال مرحلة الدراسة كيف وجدتِ التعليم هناك ؟! :" الماجستير كان مرحلة صعبة في حياتي نظراً لفروقات التعليم الكبيرة بين ألمانيا وعالمنا العربي, فما درسته في البكالوريوس رؤوس أقلام لما تعلمته في ألمانيا؛ لهذا اضطررت تأجيل الدراسة لعام كامل, لألتحق في بعض الدروس مع طُلاب البكالوريوس هناك, لأعيد تأسيس نفسي مجدداً" .

قبل اتخاذها لقرار التأجيل, عاشت علياء فترة من الصراع مع الذات؛ "أكمل الدراسة أو استسلم", وقاربت أن تستسلم فعلاً لولا موقف زوجها الرافض لقرارها, مذكراً اياها بما كانت تطمح, وأنها شخصية قوية تستطيع إن أرادت تحقيق حلمها" , هذا الموقف شجعها وأعاد لشغفها الحياة فقررت أن تأخذ بنصيحة البرفسور الجامعي الذي قال لها :" أنت ذكية لكن عليك إعادة بناء الأرضية المعلوماتية لديك", عدا عما كانت تُلاحظه من ذكاء ومعلومات واسعة عند الطلاب الألمان شكل لديها نوعا من التحدي لتحلق بركبهم وكان لها ذلك .

وبعدها بأقل من عام التحقت ببرنامج الدكتوراة واجتازت الشهادة من مركز السرطان الألماني والمستشفى الجامعي في هايدلبرغ أيضاً بتخصص البيولوجيا الجزيئية للسرطان .

"الاختيار المناسب"

كثيرات من يكن شغوفات بطموحٍ ما .. لكن اختيارهم لشريك حياتهم يكون أحياناً سبباً في تضييق الخيارات أمامهن لتكون بين أمرين لا ثالث لهما إما زواج وأسرة , أو علم وطموح", لكن ضيفتنا د. علياء كانت كل الخيارات أمامها مفتوحة, لماذا ؟ ترّد بنبرة عالية: "لو لم يكن زوجي متفهماً لما حققت الطموح, فهو منذ البداية وضع حُلمي على سُلم أولوياته, لذا دائماً نصيحتي للفتيات " أحسنوا اختيار الزوج" كي يكون سنداً لكن متفهماً لطموحكن, لا زوج يقصر دور المرأة على البيت والأولاد ."

وتُردف عن تبادل الأدوار بينهما: "تفهم زوجي لي ودعمه لي؛ جعل منّا شخصين مكملين لبعضهما في البيت, كي لا يؤثر غيابنا على أطفالنا وتربيتهم, التحقوا بمدرسةٍ دوامها طويل نوعاً ما, فيتبع الدوام المدرسي نشاطات لامنهجية, كذلك إن تأخرت بالعمل, يكون زوجي حاضراً معهم, والعكس, بالنهاية كان هناك تنظيم دقيق فيما بيننا وهذا ساعدني كثيراً ".

"الجمعية العربية"

وخلال تواجدها في ألمانيا صادفت د. كيوان كثيرا من النساء العربيات وعيهن قليل, وجودهن في الحياة بلا هدف, فقررت بعد سنوات بدلاً من انتقادهن أن تخرجهن من قوقعة حياتهن, وتعمل على توعيتهن , فبدأت بمجموعة" فيسبوكية" تجمع النساء العربيات في ألمانيا وتنشر منشورات توعوية للسيدة العربية هناك, لتُعطيها طاقة ايجابية, والتطرق لأهمية الاندماج في المجتمع الألماني لتكون قوية لا مهمشة, ولاقت هذه المجموعة اقبالاً كبيراً من السيدات كأنهن تعلقن بقشة غريق.

ومن ثم تطورت من مجموعة في العالم الافتراضي إلى جمعية على أرض الواقع, للارتقاء بمستوى المرأة العربية في المجتمع الألماني وتوعيتها بكل ما يدور حولها وتثقيفها بالقوانين اللازمة بالحياة في ألمانيا وأيضاً على تذويب جليد الخوف من الاندماج في المجتمع عبر تصحيح المفهوم لديها وتشجيعها على تعلم اللغة الألمانية والعمل بما يتناسب مع تطلعاتها , وتشجيع المرأة على المشاركة في نشاطات أبنائها المدرسية وإثبات وجودها وقدرتها على التعامل مع ما يواجه العربي من مشاكل هناك.

"غطاء الرأس لا يُغطي عقلي" هذا ما تحاول د. علياء كيوان إثباته حين تضطر إلى نقاش الألمان على قضية الحجاب, فمنهم من يُناقشها من مثقف إلى مثقف فيكون متفهماً ,ومنهم من يكون عنصرياً بالفطرة وهذا النوع تنصح بتحاشيهم قدر الامكان وعدم اعطائهم الاهتمام.

أصعب المواقف

من الصعب أن تكون باحثاً في السرطان , ويُصاب أعز الناس إليك بهذا المرض , هذا ما حدث مع د. علياء :" في البداية عائلتي أخفت عني خبر اصابة والدي بالسرطان, وكان الخبر قاسياً عليّ كوني متخصصة بهذا المجال وأعرف تفاصيله , لكني أبداً لم أيأس , وكنت أُحفز والدي وأقدم له النصائح , أولها :" أن يسمع جيداً لما يقوله طبيبه المعالج, ولا يُصغي لحديث العامة عن أعشاب طبية وما شابه, والحمد لله تعافى من المرض وتجاوزنا تلك المرحلة ".

"سفيرة هويتها"

كانت زيارة د. علياء للمرضى خلال تواجدها في المستشفى للاطمئنان عليهم بين فينة وأخرة تثير استغراب الألمان كون المريض لا يعني لها شيئا سوى أنها طبيبة المعالج , فكانت تقول لهم: "ديني يحثني على هذا" .

والألماني حين يدخل على مكتبه ليس شرطاً أن يُلقي تحية الصباح, بينما "ضيفتنا" دائماً حين تذهب إلى المكتب ترد التحية " السلام عليكم, أو صباح الخير" , فكانت لها زميلة تستغرب من هذا التصرف فتقول لها " هذا من ثقافتي , كنوع من الاستئذان" :"مع مرور الوقت , أصبح من المستحيل أن يدخل على المكتب أحد الزملاء دون أن يرد علينا تحية الصباح" , مستدركة القول :" بالتعامل الحسن تمكنت أن أكون خير سفيرة لبلدي وديني وهويتي" .

الطموح ..؟

والمتعارف عليه أن للنجاح ضريبة , والناجح كلما صعد درجة زاد أعداؤه, ومن الممكن أصدقاء مقربون يتحولون لأعداء في مرحلة ما من حياتهم _ على حد قولها_:" كان هذا الأمر في بداية حياتي يُضايقني ويؤثر على تحصيلي العلمي , لكن بعدها اتخذت قرارا في حياتي ألا أتعامل مع "عفاريت السلبية" طالما أني مقتنعة بما أفعل" .

نهاية بعد هذا الحديث الشيق معك ما هو طموحك ؟ :"أن أصبح بروفيسورة في مجالي وأركز عملي لاكتشاف دواء للسرطان من خلال العلاج الجيني لذلك" .