وقفت الحقوقية الأمريكية راشيل كوري، قبل أربع عشر عاماً، تتصدى لمجنزرة إسرائيلية بجسدها الأعزل، رفضاً لهدم بيوت مواطنين في غزة، لكنها لقيت حتفها تحت آلة الحرب، لتصبح "أيقونة" التضامن العالمي مع أهل فلسطين.
كوري التي ولدت يوم 10 أبريل/ نيسان 1979 في أولمبيا بواشنطن، سخّرت جُلّ حياتها للدفاع عن حقوق الفلسطينيين، وذهبت إلى قطاع غزة ضمن حركة التضامن العالمية عام 2003.
وعُرفت كوري بحبها للسلام، وبدفاعها عن حقوق الفلسطينيين في العيش بسلام والاعتراف بدولتهم، وبثت العديد من الرسائل المصورة التي تتحدث خلالها عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلية بحق هذا الشعب.
وفي السادس عشر من مارس/ آذار، ارتدت الناشطة معطفها البرتقالي وأقبلت نحو إحدى جرافات الاحتلال الإسرائيلية ممسكةً بمكبر صوت في محاولة لمنعها من هدم بيت مواطن فلسطيني وتجريف الأراضي الزراعية بحي السلام بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة.
ظنت كوري أن ملامحها الأجنبية وبشرتها الشقراء، ستشفع لها أمام أنياب المجنزرة، غير أنها سقطت في دقائقَ، جثة هامدة، بعد أن دهسها سائق الآلة العسكرية في عملية متعمدة، بحسب ما نقل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عن متضامنين رافقوا كوري وقت الحادثة.
واستقبل المواطنون في قطاع غزة نبأ مقتل الناشطة بصدمة واندهاش كبيرين، كونها مواطنة أمريكية مدافعةٍ عن السلام، وأطلقوا عليها لقب "شهيدة" ونظموا لها جنازة ضخمة.
وخُلد اسم راشيل كوري في العالم، حيث أطلق على سفينة مساعدات ايرلندية إلى قطاع غزة، كما نشرت العديد من الأفلام التي تسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة باسمها.
ورفعت عائلتها دعوى مدنية ضد الاحتلال ، إلا أن المحكمة الإسرائيلية قامت بتبرئة قاتلها عام 2013، " بحجة أنها وصلت إلى استنتاج يشير إلى عدم وجود إهمال من قبل سائق الجرافة، وإنه لم يرها قبيل دهسها".
ومن رسائلها الأخيرة التي أرسلتها لأهلها قبل مقتلها تقول فيها، " أعتقد أن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة في مؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي".
يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن "رسالة الناشطة كوري بقيت حية خلال الأعوام السابقة، واستطاعت إيصالها للعالم من خلال ممارسة (إسرائيل) للقتل بحق الشعب الفلسطيني وكل من يتضامن معه".
ويضيف عبده: "الناشطة كوري قدمت نموذجًا حيًا لكشف ممارسات( إسرائيل) التي تنتهك فيها حق الانسان".
ويشير إلى أن قضيتها ما زالت ماثلة "كأحد النماذج التي تضرب بها (إسرائيل) عرض الحائط لنداءات المجتمع الدولي للتوقف عن انتهاكاته المستمرة".
يذكر أن مؤسسات حقوقية فلسطينية استنكرت وقتها، قرار تبرئة قاتل كوري، وأكدت أن الناشطة الأمريكية كانت شاهدة عيان على الكثير من الجرائم الإسرائيلية في غزة.